إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً - أمَّا بعد:
فلقد امتن الله عزّوجلّ على عباده أعظم منة، فأرسل إليهم رسلاً مبشرين ومنذرين، تلوا عليهم آياته، وبصروهم بسبل مرضاته، وكان خاتمهم وآخرهم وسيدهم ولا فخر محمد (الذي هدى أمته إلى الصراط المستقيم الذي لا عوج فيها فلم يكن للعباد غنية عن هذه النعمة؛ لأنهم لولاها لوكلوا إلى عقولهم وأهوائهم، فضلوا وأضلوا، وما أمكن أحد من الخلق أن يعلم التحريم من التحليل، ولا الغيب من الشهادة، ولا عرف ثواباً ولا عقاباً، ولا بعثاً ولا حساباً، ولا تميز حق من باطل ولا كفر من إيمان ولا عبادة لإبليس من عبادة الرحمن فيكون الخلق عبثاً لا حكمة وراءه ولا معنى وهذا ما يتنزه عنه الحكيم الخبير {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ، فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} (١) .
فلم يدع العليم الخبير تقويم السلوك لعقل الإنسان المجرد وإنَّما جعله أداة يعقل بها مراده به سبحانه وتعالى فهو تبع لوحي الله وتشريعه، ليس له حق الابتداء على الخالق، وإنشاء الأحكام والتشريع.
فكانت أمة محمد (- أتباعه وأصحابه ومن سار على نهجه - خير أمة في عقيدتها وسلوكها وتفكيرها، في عملها وأدائها لواجباتها، في ترابطها وتضامنها، في انضباطها وأمنها، وتسليمها لأمر الله وسنة نبيه محمد (، فأسست بنيانها على تقوى من الله.