فهذا النقل يبين لك مدى تقديم هؤلاء لشبههم العقلية وتعصبهم لها، وكيف أنهم يجعلونها هي الأصول والسمع معروضاً عليها، فما أجازته عقولهم قبلوه، وما لم تُجزه عقولهم شككوا فيه وانتقصوه، ومن ثمَّ سعوا في تأويله وتحريفه، ومن يُلقي نظرةً على كتب الأشاعرة مثلاً يجد أن القوم يُقسِّمون أبواب العقيدة إلى إلهيات ونبوات وسمعيات، وهم في باب الإلهيات والنبوات لا يعتمدون نصوص الكتاب والسنة، ولذلك لن تجد في هذين البابين إلا الشبه العقلية المركبة وفق القواعد المنطقية، ويا عجبا أنأخذ ديننا من ملاحدة اليونان وتلامذتهم أم من كلام الله ورسوله (؟!
وأما باب السمعيات أي البعث والحشر والجنة والنار والوعد والوعيد فهم يقبلون النصوص الشرعية، وبالتالي سموا هذا الباب بالسمعيات في مقابل باب الإلهيات والنبوات؛ إذ إنهم يعتمدون فيهما على العقليات، وهؤلاء شابهوا حال من قال الله تعالى فيهم {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُم إِلاَ خِزْيٌ فِي الحَيَاةِ الدُنيَا وَيَومَ القِيَامَة يُرَدُّون إِلى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[البقرة ٨٥] .
وأما الأساس الثاني: وهو تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين، ففيه تمييز لعقيدة أهل السنة عن عقيدة المعطلة من جهة وعن عقيدة المشبهة من جهة أخرى.