وإنما كان هذا الدعاء بعد الصلوات بهيئة الاجتماع بدعة، مع ثبوت مشروعية الدعاء مطلقاً، وورود بعض الأحاديث بمشروعية الدعاء بعد الصلوات خاصة، وذلك لما قارنه من هذه الهيئة الجماعية، ثم الالتزام بها في كل الصلوات حتى تصير شعيرة من شعائر الصلاة. فإن وقع أحياناً فيجوز إذا كان من غير تعمد مسبق، فقد روي عن الإمام أحمد - رحمه الله - أنه أجاز الدعاء للإخوان إذا اجتمعوا بدون تعمد مسبق، وبدون الإكثار من ذلك حتى لا يصير عادة تتكرر (١١١) ، وقال شيخ الإسلام:((الاجتماع على القراءة والذكر والدعاء حسن مستحب إذا لم يتخذ ذلك عادة راتبة كالاجتماعات المشروعة ولا اقترن به بدعة منكرة)) (١١٢) وقال: ((أما إذا كان دائماً بعد كل صلاة فهو بدعة، لأنه لم ينقل ذلك عن النبي (والصحابة والسلف الصالح)) (١١٣) .
المبحث السادس: مفاسد الذكر الجماعي
سبق الإشارة إلى بعض مفاسد الذكر الجماعي باختصار ضمن المبحث الرابع. ونظراً لأهمية هذه المسألة فقد أفردتها بهذا المبحث المستقل. فأقول - مستعيناً بالله - إن من مفاسد الذكر الجماعي:
الأولى: مخالفة هدي النبي (وأصحابه رضي الله عنهم، فإنهم لم ينقل عنهم شيء من ذلك. ولا شك أن ما خالف هدي النبي (وهدي أصحابه الكرام رضي الله عنهم، فهو بدعة ضلالة. ولو كان خيراً لفعله (، ولتبعه في ذلك الصحابة الكرام، ولنقل ذلك عنهم ولا شك. فلما لم ينقل ذلك عنهم دل على أنهم لم يفعلوه. وما لم يكن ديناً في زمانهم فليس بدين اليوم.
الثانية: الخروج عن السمت والوقار، فإن الذكر الجماعي قد يتسبب فيب التمايل، ثم الرقص، ونحو ذلك، وهذا لا يجوز بحال، بل هو منافٍ للوقار الواجب عند ذكر الله تعالى، وحال أهل الطرق الصوفية معروف في هذا الباب.