للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما روي عن معاوية بن قرة من جواز الشرب في آنية الفضة إن صح، وما روي عن داود الظاهري من جواز الأكل فيهما، والقول القديم للشافعي بالكراهة. فالجواب عليه من وجوه. أولها: بالنسبة للإمام الشافعي رحمه الله فقد عبر عن الحرام بالكراهة، ويقصد الكراهة التحريمية، كعادة العلماء في التورع عن التعبير بالحرام، يؤيده قوله في الأم (١) كما سبق أن نقلناه (وكان الشرب فيها معصية) . قال الشيرازي (وقال في الجديد يكره كراهة تحريم وهو الصحيح) (٢) . وقال النووي: (والشافعي قد رجع عن هذا القديم، والصحيح عند أصحابنا وغيرهم من الأصوليين أن المجتهد إذا قال قولا ثم رجع عنه لا يبقى قولا له، ولا ينسب إليه. قالوا: وإنما يذكر القديم وينسب إلى الشافعي مجازا وباسم ما كان عليه، لا أنه قول له الآن) (٣) .

ثانيها: إن قولهم هذا مردود؛ لمخالفته الإجماع قبلهم (٤) ؛ فمعاوية بن قرة تابعي، والشافعي، وداود الظاهري بعده ولم يذكر خلاف في هذا بين أحد من الصحابة؛ فكان الإجماع منعقدا قبل ما نسب إليهم من خلاف؛ فلا يؤثر قولهم هذا في صحة الإجماع.

ثالثها: يعتذر لداود بأن النهي عن الأكل في آنية الذهب والفضة لم يبلغه، وكذلك معاوية بن قرة لعله لم تبلغه أحاديث النهي عن الأكل والشرب فيهما (٥) .

رابعها: لا يشترط في انعقاد الإجماع اتفاق الجميع بل ينعقد بالأكثر مع مخالفة الأقل. وهو قول محمد بن جرير الطبري والإمام أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، وأبي الحسن الخياط من المعتزلة (٦) .

المطلب الخامس:تضبيب آنية الأكل والشرب بالذهب أو الفضة (٧)

الضبة: قطعة من حديد، أو صفر أو نحوه، يشعب بها الإناء، وجمعها ضبات؛ مثل جنة وجنات. وضببته بالتثقيل جعلت له ضبة (٨) . وقال الجوهري: (الضبة حديدة عريضة، يضبب بها الباب، ثم تستعمل من غير الحديد، وفي غير الباب) (٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>