ومن بين أهم المتغيرات التي يشهدها هذا العصر التطور العلمي الحديث الحاصل في حقل العلوم الوراثية، وفي مجال الجينيوم البشري والهندسة الوراثية على الخصوص، والتي اتسع مجال تطبيقاتها بشكل كبير، فأصبحت تشمل الإنسان والنبات والحيوان، بل أصبح في الإمكان أن تتدخل في تكييف نوعية الإنسان وعلاجه وغذائه.
ومن هنا كان لابد للأخلاق والدين أن يتدخلا بالعمل على تقنين هذه الثورة ووضع حدود لها، لتكوِّن قنوات تصفية تُمِرُّ من خلالها ما يعود بالنفع للبشرية وتحجز ما يخلُّ بأمن البشر وحياتهم واستقرارهم.
وفي حال انعدام هذه الرقابة، فلاشك أن الحياة على هذه الأرض ستكون مهددة بأنواع من الويلات والشرور مصدرها الإنسان نفسه.
وتتمثل الرقابة الدينية والأخلاقية لهذا الموضوع في استحداث الأحكام الفقهية التي تحدد حكم هذه المستجدات في الحياة البشرية.
وإن هذا الاستحداث يجب أن ينبني على أسس الدين ومقاصده العامة، كما يجب أن يكون محكوما بخصائص الوقائع المستجدة وعناصرها العينية فيما ينبني عليه من صورة، وفيما تؤدي إليه من أثر فيه صلاح أو فساد.
ولا يجدي في هذا السبيل إسقاط الفتاوى المستحدثة لوقائع وأوضاع سابقة بل ولا الفتاوى المستحدثة لوقائع وأوضاع راهنة، بل تستحدث كل ظاهرة متميزة أحكامها الخاصة بها، بناء على تميزها، وذلك لأن "الواقع كل صورة من صوره النازلة نازلة مستأنفة في نفسها لم يتقدم لها نظير، وإن تقدم لها في الأمر نفسه فلم يتقدم لنا، فلابد من النظر فيها بالاجتهاد لاستحداث الحكم الشرعي الذي يناسبها"(١) .