"وفي سبيل التوفيق بين الأحكام المجردة، والوقائع الجارية، بما يدفع حياة المسلم إلى ما يحقق المصلحة ويدرأ المفسدة، ينبغي صياغة الأحكام، بالنسبة لكل وضع واقعي مخصوص صياغة يؤخذ فيها بعين الاعتبار انعكاساته على مختلف جوانب ذلك الوضع، فإن واقع الحياة من طبيعته التفاعل المستمر بين عناصره المختلفة، فما هو اقتصادي يؤثر فيما هو اجتماعي، ويتأثر به، وكذلك الأمر بالنسبة لكل المجالات الأخرى. وقد تحصل للإنسان مصلحة في جانب من جوانب حياته، إلا أنها تكون مجحفة بجانب آخر، فتؤدي فيه إلى ضرر، ولذلك فإن المعيار النهائي للمصلحة هو غلبة النفع على الضرر، بعد التقويم العام لما يؤول إليه فعل ما، بحيث تتكامل المصلحة فيه، فيما يشبه تحوط الصيدلاني في صناعة الدواء من أن تكون لدوائه مضاعفات تلحق ببعض أجهزة الجسم ضرراً قد يفوق ما يحققه من شفاء من الداء المراد علاجه بحيث يجعله ذلك التحوط يعمل على تحقيق التكامل الإيجابي لآثار ذلك الدواء في جسم المريض"(١) .
... وإن زحمة الطوارئ في واقع الحياة لطبيعتها المتقلبة كثيرٌ ما تغري في سبيل استعجال الحلول الشرعية المناسبة لها بتناسي الأطر والأصول التي يجب أن تتنزل فيها تلك الحلول، فيأتي بعضها مناقضاً للمصلحة من جوانب أخرى.
... لذا فلابد من التصور العلمي الصحيح للحادثة والقراءة المتأنية لجميع أبعادها ودراسة تفاعل هذه العناصر بعضها مع بعض، وأثر ذلك على واقع الحياة البشرية، ثم بعد هذا كله إعطاء الحكم للنازلة، حتى تخرج الفتوى في صورة متكاملة في النظرة، منسجمة مع أدلة الشرع ومقاصده، محققة للمصلحة.