.. والقول بوجوبه مطلقاً بعيد لأن فيه إيجاب حق لم يأت الشرع به ولم يدل عليه، وفيه حرج على المكلفين نفسياً ومالياً ويترتب على القول بوجوبه مطلقاً مفاسد ربما أدت إلى إحجام الشباب عن الزواج، وحيث أن هذا الفحص لا يبحث سوى مرض واحد أو اثنين ونتائجه ليست متحققة في الواقع بشكل كامل، وربما تخطئ وتصيب، وقد يحدث المرض الوراثي بعوامل أخرى تقدمت الإشارة إليها في التصور الطبي.
... وإذا قلنا بالوجوب المطلق فإن هذا الحكم ستكون مآلاته على خلاف ما قصد منه، فإنه بالنظر في الواقع إذا وزن القول بالوجوب المطلق بميزان المصالح والمفاسد يظهر لنا كثيراً من المفاسد التي ستنشأ عن تطبيق هذا الحكم، الأمر الذي يخالف مقصود الأصل الذي يسعى إليه المجتهد.
ج حكم التشخيص قبل زرع النطفة:
... هي إحدى طرق التلقيح الاصطناعي الخارجي (الإخصاب المعملي) حيث يتم الإخصاب في وسط معملي يؤخذ فيه الماءان من زوج وزوجته فتوضع في أنبوب اختبار طبي حتى تلقح نطفة الزوج بويضة زوجته إلى أن تنمو مرحلة (النوتة) ثم تفحص وراثياً، فإن كانت معيبة تركت وإن كانت سليمة أعيدت إلى الرحم.
... وهذه الطريقة هي في الواقع أسلوب من أساليب طفل الأنابيب، وقد سبق أن أجاب الفقهاء رحمهم الله بجوازه للضرورة، حيث أن هذه الطريقة محفوفة بالمخاطر منها: الاحتمال الكبير بحدوث الخطأ في اختلاط النطف. ومنها: خطر طلب الانتقاء في المواليد.
... وعليه نرى عدم جواز هذه الطريقة من الإرشاد الجيني في الأحوال العادية حفاظاً على مقاصد الشريعة في صيانة النسل والنسب، ولأنها لا تجوز إلا للضرورة، ولا نرى الفحوص الوراثية من الضرورات على الأقل في هذا الوقت بناء على ما تقدم من تصور طبي لفوائدها ومحاذيرها ومصداقية نتائجها، ثم إنه قد يسلم الإنسان من المرض الوراثي بسبب الوراثة ولا يسلم منه لعوامل أخرى تقدم ذكرها، لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح.