.. وهناك أقسام أخرى كمجاز التقديم والتأخير، وغيره، وليس هذا محل بسطه (٢٧) .
... وينبغي أن يعلم أن أقسام المجاز هذه إنما هي عند الذين يرون المجاز في العربية، وفي القرآن، أما الذين لا يرونه فلا يعتبرون ذلك كله، وسيأتي لهذا الأمر تفصيل في صلب البحث عند ذكر الخلاف في المسألة.
... وقد أتيت بهذه التقسيمات لعلاقتها الوطيدة بالبحث. والله أعلم.
المطلب الثامن: تاريخ نشوء القول بالمجاز:
... المستقرئ للجانب التاريخي لظهور المجاز يجد أن العرب لم يعرف عنهم تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز ولم يذكر عنهم التعبير بلفظ المجاز الذي هو قسيم الحقيقة عند أهل الأصول، وإنما هذا اصطلاح حدث بعد القرون المفضلة.
... يقول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله:"فهذا التقسيم اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة لم يتكلم به أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ولا أحد من الأئمة المشهورين في العلم ... بل ولا تكلم به أئمة اللغة ... ولا من سلف الأمة وعلمائها وإنما هو اصطلاح حادث ... فإن تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز إنما اشتهر في المائة الرابعة وظهرت أوائله في المائة الثالثة وما علمته موجودا في المائة الثانية"(٢٨) .
... وقال العلامة ابن القيم رحمه الله بعد رده تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز:"وهو اصطلاح حدث بعد القرون الثلاثة المفضلة بالنص"(٢٩) .
المبحث الأول: أقوال العلماء في المجاز
... اختلف العلماء في المجاز بين مجيز ومانع ومفصل، ولقد تتبعت أقوالهم فيه فتحصل لي خمسة مذاهب (٣٠) هي:
... الأول: الجواز والوقوع مطلقا، وإليه ذهب الجمهور (٣١) .
... الثاني: المنع مطلقا، وإليه ذهب بعض العلماء والمحققين منهم أبو إسحاق الاسفراييني (٣٢) من الشافعية، وأبو علي الفارسي (٣٣) من أهل اللغة.