ولم يقصد نقفور تحدي الرشيد على الحقيقة وإن كان في ظاهر الكتاب ما يشير إلى التحدي (وإلاّ فالسيف بيننا وبينك) لأنه يعلم أنه ليس في مستوى هذا التحدي، – لما يعرفه من التجارب السابقة مع الرشيد (١) – وأن الروم تنقصهم الشجاعة في مجابهة القوات الإسلامية في ميادين القتال. ولو علم نقفور أن هذا الكتاب سيجلب عليه نقمة الحرب لما أرسله ومن الواضح أن وظيفة نقفور السابقة كمسؤول عن المالية قد غلبت على سياسة الإمبراطورية التي تركزت على إصلاح انهيار الاقتصاد المالي للبلاد، ولكن لسوء حظه أنه افتقر إلى الحكنة السياسية وبعد النظر، وسوء تقدير قوة الخصم وبعبارة أخرى أساء نقفور تقدير وفهم خصمه الخليفة العباسي هارون الرشيد (٢) .
وكان موقف الرشيد من كتاب نقفور: أنه حين قرأه اشتد غضبه، ولم يمكّن أحداً أن ينظر إليه دون أن يخاطبه، فتفرق جلساؤه عنه؛ خوفاً من زيادة قول أو فعل يكون منهم، ورفض أن يستشير أحداً في أمر نقفور (٣) .
ودعا بدواة وكتب على ظهر الكتاب:
((بسم الله الرحمن الرحيم من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم؛ قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون أن تسمعه. والسلام)) (٤) .
والحقيقة أن كتاب نقفور هو الذي حتّم على الرشيد هذا الموقف فما كان لخليفة مثل الرشيد قضى أربعة وعشرين سنة – ١٦٣ – ١٨٧هـ / ٧٧٩ – ٨٠٢م – يجاهد الروم أن يقبل هذا التهديد المشين، ولهذا كانت إجابته عليه واضحة جليّة وهي تجريد الجيش إليه، فوق إهانته وتحقيره.