للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإلى هنا وينتهي ذلك الدور الصقلي العظيم، الذي كانت فيه صقلية مركزاً مهماً من مراكز الحضارة الإسلامية بجميع فروعها وأنشطتها في العلوم والفنون والعمارة والزخرفة والطب والصيدلة، وغير ذلك مما برز فيه المسلمون على غيرهم من الأمم، ذلك الدور الذي بدأ من أول خطوة خطاها القائد الفاتح أسد بن الفرات الذي كان فتحه لها فتحاً علمياً وثقافياً، إذ أنه اصطحب معه في جيشه الكثير من العلماء والفقهاء والوجهاء، وأعلن لهم قبل المسير أن العلم هو سبب التفوق، فلله دره من قائد محنك، وعالم وفقيه فريد، ورحمه الله رحمة واسعة.

أقول: نعم لقد كانت صقلية وفي خلال عصورها الإسلامية المختلفة مركزاً علمياً إسلامياً كبيراً على الرغم من اختلاف توجهات قادتها السياسية من سنيين وشيعة، فلقد كانت وبشهادة المصادر المعاصرة لتلك العصور مضاهية للأندلس في العلماء والأدباء والفقهاء، بل أصبحت لها مدارس فكرية وثقافية مستقلة ذات شخصية صقلية بحتة، مما أدى بعد ذلك إلى نشوء علاقات ثقافية بينها وبين البلدان الإسلامية المختلفة، إذ كان يطمع أولئك العلماء والفقهاء في البلدان الأخرى إلى التتلمذ على علماء وفقهاء صقلية إما مباشرة عن طريق التلقي أو عن طريق الإجازة.

واستمر تميز صقلية الثقافي حتى بعد سقوطها في أيدي النورمان، مما أغرى أولئك المستعمرون لها على الإبقاء على هؤلاء المسلمين طمعاً في النيل من ثقافتهم وحضارتهم ومدنيتهم وكل مظاهر مثاليات إسلامهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>