لقد حاول الفلاسفة المسلمون الوقوف على الخصائص والعلامات التي تميز اللغة العادية عن لغة الإبداع والشعر والكتابة الفنية. وقد توصل الفلاسفة –ومن بينهم ابن سينا- إلى اعتبار التغيير أي الانحراف عن المألوف، وتجاوز ما هو مصطلح عليه، جوهر الإبداع، والفارق الأساسي بين اللغة العادية ولغة الإبداع (١٧) .
ولهذا فقد تعددت دلالات مصطلح التغيير عند ابن سينا لتشمل كل عناصر البلاغة التي تشكل جوهر العمل الإبداعي وأساسه. فقد أصبح التغيير بمفهومه الواسع يعني المجاز بأوسع معانيه ودلالاته، فالمجاز هو تجاوز المألوف، وانتهاك حرمة اللغة، وخروج على القواعد التي تكبل التراكيب وتحد من دلالاتها وإيحاءاتها. حيث أصبح المجاز عند ابن سينا يعني الاستعارة والتشبيه وهما جوهر اللغة الإبداعية الذي تتميز فيها عن اللغة العادية ذات التراكيب الواضحة المحددة الدلالة والمعنى (١٨) . يقول ابن سينا:"أما الكلام في الشعر وأنواع الشعر وخاصة كل واحد منها ووجه إجادة قرض الأمثال والخرافات الشعرية، وهي الأقاويل المخيلة، وإبانة أجزاء كل نوع بكميته وكيفيته- فسنقول فيه إن كل مثل وخرافة، فإما أن يكون على سبيل تشبيه بآخر، وإما على سبيل أخذ الشيء الاستعارة أو المجاز، وإما على سبيل التركيب منهما"(١٩) .