للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإنَّ ذلك لا يَلزَمُ؛ ألا ترى أنَّهم أَجْرَوا شيئاً من المصادر واسمِ الفاعل مُجْرَى الأسماء التي لا تُناسِبُ الفعل، وذلك قولُهُم: ((للهِ دَرُّكَ)) (١) ، وزَيدٌ صاحبُ عمرٍو، (فلم يجيزوا إعمالَهما عملَ الفعل وإنْ كانا في مواضعهما) (٢) .

وأمَّا ما حكاه أبو زيدٍ من قولهم: ((تَألَّهَ الرَّجُلُ)) ، فإنَّه يَحتَمِلُ عندي ضربَين من التَّأويل:

يجوزُ أنْ يكونَ كقولهم: تَعَبَّدَ والتَّعَبُّد.

ويجوزُ أنْ يكونَ مأخوذاً من الاسم دون المصدر على حدِّ قولكَ: اسْتَحْجَرَ الطِّينُ، واسْتَنْوَقَ الجَمَلُ، فيكونُ المعنى: يفعَلُ الأفعالَ المقرِّبَةَ إلى الإلهِ، والمستحقَّ بها الثَّوابَ.

وتُسَمَّى الشَّمسُ إلاهَةَ والإلاهَةَ (٣) ، رُوِيَ لنا عن قُطْرُبٍ ذلك، وأنشَدَ:

تَرَوَّحْنَا مِنَ اللَّعْبَاءِ قَصْراً وَأَعْجَلْنَا الإِلاَهَةَ أَنْ تَؤُوبَا (٤)

فكأنَّهم سَمَّوها ((إِلاَهَةَ)) على نحو تعظيمهم لها، وعبادَتِهِم إيَّاها. وعن ذلك نهاهُمُ الله تعالى، وأمَرَهُم بالتَّوجُّهِ / في العبادة إليه (جلَّ وعزَّ) دون ما خلَقَهُ وأَوجَدَه بعد أنْ لم يكُنْ، فقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا للهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} (٥) .

ويدلُّكَ على ما ذَكَرْنا من مذهب العرب في تسميتهم الشَّمسَ ((إِلاَهَةَ)) ما حكاه أحمدُ بنُ يحيى (٦) من أنَّهم يُسَمُّونها ((إلاهةَ)) غيرَ مصروفٍ، فقرَّبَ ذلك أنَّه منقولٌ؛ إذ كان مخصوصاً. وأكثرُ الأسماء المختصَّة الأعلامِ منقولةٌ نحو (٧) : أَسَدٍ وزَيدٍ، وما يكثُرُ تَعدادُهُ من ذلك. فكذلك ((إلاهةُ)) ، يكونُ منقولاً من ((إلاهةٍ)) التي هي العبادةُ لِمَا ذَكَرْنَا. وأُنْشِدَ البيتُ:

وَأَعْجَلْنَا إِلاَهَةَ أَنْ تَؤُوبَا

<<  <  ج: ص:  >  >>