فأمَّا ما حكاه أبو العبَّاس عن الخليل أنه مضمَرٌ مضافٌ، وما حَكَيْتُهُ عن المازنيِّ من ذلك، فهو مستبعَدٌ لا أعلَمُ له سماعاً يَعْضُدُهُ، ولا قياساً يُثْبِتُهُ.
وحُكي عن أبي عثمانَ أنَّه قال:((لولا قولُهُم: (وإيَّا الشَّوابِّ) ، لكانت الكافُ للمخاطبة كالتي في (ذلك)) ) .
والذي عندي أنَّ حَمْلَ هذه الحكايةِ على الشُّذوذ أسهلُ من إضافته إلى المضمَر؛ إذ الغرضُ في الإضافة التَّخصيصُ والمضمَرُ على نهاية التَّخصيص، فلا وجهَ إذاً لإضافته.
ويُقَوِّي قولَهُم يعني (المازنيَّ والخليلَ في أنَّ ((إيَّا)) مفرَدٌ مضمَرٌ) (١) ما حكاه سيبويهِ (٢) من أنَّ بعضَهُم سمِعَ: ((خَرَجْتُ مَعَهُم)) ، فقال: معَ مَنِينَ؟ فاستفهَمَ عن المضمَرِ كما يُستَفهَمُ عن المنكور. ألا ترى أنَّ ((منًا)) و ((مَنِينَ)) ونحوَه يقَعُ استفهاماً عن النَّكَرات دون المعارفِ والمختَصَّاتِ.
* * *
[سورة البقرة] :
المسألة الثَّالثة
قال (٣) في قوله - عز وجل -: {الم * ذَلِكَ}[الآيتان: ١ ٢] :
((ففي فتح الميم قولان:
أحدهما: لجماعةٍ من النَّحْويين (٤) وهو أنَّ هذه الحروفَ مبنيةٌ على الوقف، فيجب بعدها قطعُ ألف الوصل فيكون الأصلُ:{المْ * أَلله}(٥) ، ثمَّ طُرِحَت فتحةُ الهمزة على الميم، وسَقَطَت الهمزة، كما تقول: واحدْ، إثْنَان، وإنْ شئْتَ قلتَ: واحدِ اثْنان، فأَلقَيْتَ كسرةَ همزةِ ((إِثنين)) على الدَّال.
وقال قومٌ من النَّحْويين: لا يَسُوغُ في اللَّفظ أن يُنطَقَ بثلاثة أحرفٍ سَوَاكِنَ، فلا بدَّ من فتحة الميم التي في:{المَ * الله} لالتقاء السَّاكنين، (أعني الميمَ واللاَّمَ التي بعدها) . وهذا القولُ صحيحٌ لا يمكنُ في اللَّفظ غيرُه (٦) .