حمداً لله على نعمائه، وجوده، وكرمه، ورضاه، ونستعينه، ونطلب الهداية والتوفيق والسداد منه، ونستعيذ برضاه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته، وبه منه، ونسأله الرضا بعد القضاء، والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة، والقناعة بما قسم لنا، من خير وإبعادنا عن الشر، والإعانة على الصبر على القضاء، والابتداء، والاقتداء بمحمد - (-
أمَّا بعد: فالرضا بالقضاء مأمور به في كتاب الله، وفي سنة المصطفى - (- وفعل الأنبياء، والصالحين، والصديقين، والشهداء، ومن اقتفى أثرهم، واهتدى بهداهم، وقد تعبدنا الله به، وهو من كمال تحقيق العبودية لله - تعالى -، وسبب للخلاص من الشرك، وإكمال للتوحيد، وخضوع، وتسليم لأمر الله، ونهيه، ويقين بأن الأمر كله لله، بيده كل شيء، فهو المعطي لمن يشاء، المانع لمن يشاء، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه.
تحقيقه هداية، يحمل على الإخلاص، فيكون الباعث له في جميع الأعمال: امتثال أمر الله، واجتناب نهيه، والعلم بأنه ماشاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، يقود صاحبه إلى الرضا بالقليل، والعفاف عما في أيدي الناس، ويبعده عن التملق لغير الله، أو الانشغال بغير عبادة الله، ورضاه، أو إرضاء الناس بسخط الله، ويورث العزم في متانة، ويربط القلب، فيمضي صاحبه حتى يبلغ الغاية (١) .
فالمؤمن بالقضاء، الراضي به، صبور متجلد، يتحمل المشاق، ويتضلع بالأعباء، وخاصة في العصور المتأخرة، فكيف بالوقت الذي يكون {القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر}(٢) .