والرضا عمل قلبي، ليس بقول اللسان، ولا عمل الجوارح، ولا هو من باب العلوم والإرادات.
ولهذا يُمكن أن يكون تعريف الرضا تبعاً لمعناه في اللغة، وما سبق من هذه الأقوال جميعاً، وما يوافق نصوص كتاب الله، وسنة رسوله - (- هو: التسليم بالقضاء، والقناعة بما قسم، قل أو كثر، والسكون إلى الله، وحمده على ما قضاه، وترك الندم أو الحسرة أو الحزن على ما فات من رزق، وعدم التسخط، أو الاعتراض على ما وقع من قضاء الله الكوني، وحب أمر الله، والعمل به، وترك معاصيه، واجتنابها، والبشر والإكرام، والغنى عما في أيدي الناس، واليقين بأن الله المعطي، المانع وحده لا شريك له.
أو نقول: الإيمان بالقضاء والقدر هو: التصديق الجازم بأن كل خير وشر فهو بقضاء الله وقدره، واليقين بأنه - سبحانه - الفَعَّالُ لما يريد، لايكون شيء إلاَّ بإرادته، ولايخرج عن مشيئته، وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره ولايصدر إلاَّ عن تدبيره، ولا محيد لأحد عن القدر، ولايتجاوز ما خط في اللوح المحفوظ، وأنه خالق أفعال العباد، من الطاعات، والمعاصي، ومع ذلك فقد أمر العباد، ونهاهم، وجعلهم مختارين لأفعالهم، غير مجبورين عليها، بل هي واقعة بحسب قدرتهم، وإرادتهم. يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته:{لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (١) .
ثُمَّ الرضا بعد وقوع كل ذلك، وتحققه بما يجري عليه من هذا القضاء والقدر، وعدم الجزع، أو الاعتراض على ما قضي، والتسليم للأمر والنهي، وما وقع من خير أو شر، وأن لله حكمة في ذلك، لايعلمها إلاَّ هو، قد تكون خيراً للعبد، وهو يظن أنها ليست كذلك، فيحسن الظن بالله - تعالى -، ويقنع بما يحصل له من رزق، وغيره، ولاتتوق نفسه إلى غير ما قضي، وقدر له، مع فعل الأسباب المأمور بها.