هؤلاء هم عباد الرحمن الذين آمنوا بالغيب، آمنوا بربهم وهم لم يروه ذلك الإيمان الذي جعلهم يسارعون في طلب رضوانه، والفرار إليه من سخطه، وغضبه، آمنوا بالجنة وما فيها من النعيم الدائم، فشمروا عن ساق الجد في طلبها طول أعمارهم وهم لم يروها. آمنوا بأن النار حق فجدوا بطلب السلامة والنجاة منها. هؤلاء الصالحون الذين عبدوا ربهم كأنهم يرونه وهم لم يروه، فكيف تكون عبادتهم لو رأوه؟ وقد طلبوا منه الجنة وهم في غاية الشوق إليها من غير أن يروها، فكيف لو رأوها؟ وقد استعاذوا بربهم من النار خائفين وجلين وهم لم يروها، فكيف يكون خوفهم وفرارهم منها لو رأوها؟ ولكن مراتب المؤمنين بالغيب لا تساويها مراتب من يرى الغيب ويشاهده.
... هؤلاء هم الفائزون بما طلبوا، طلبوا رضوان الله تعالى، فرضي عنهم، طلبوا جنته، فاستجاب لهم، استعاذوا به من النار فنجاهم. وأشهد على مغفرته لهم ملائكته بياناً لفضلهم وإظهاراً لمكانتهم وقدرهم:" اشهدوا أني قد غفرت لهم ". وبركة هذا الإيمان الراسخ المثمر للعمل الصالح، شملت الجلساء الذين لم يغشوا مجلس الذكر رغبة فيه وإنما جاءوا لبعض شؤونهم. لأن الجليس الصالح له على من يجالسه أثر عظيم. ومن ذلك هذا الأثر الطيب المبارك:"هم القوم لا يشقى بهم جليسهم" والجليس الصلح شبهه النبي (بحامل المسك الذي ينالك نفعه في كل حال، إما بشراء المسك منه، أو بأن يمنحك شيئاً منه، أو بأن تجد منه ريحاً طيبة. وهو في كل حالٍ تنال منه الخير والنفع. وأعظم الخير وأفضلهم بركة ما يوصل إلى غفران الله ورضوانه.
أثر الإيمان بالغيب في نفس المؤمن:
إن للإيمان بالغيب أثراً عظيماً في سلوك المؤمن كما سبقت أمثلته آنفاً. وأثراً عظيماً في نفس المؤمن كما سيأتي بيان ذلك في الأمور الآتية: