لقد زعموا أن ما نسب في هذين النصين وغيرهما من نصوص الكتاب والسنة إلى الجمادات من أقوال وأعمال إنما هو مجاز لا حقيقة، أي إنه لسان حال لا مقال، وأنها تطيع الله طاعة قهر وتسخير لا طاعة فكر وتخيير، وأما تسبيحها فمعناه أن من شاهدها سبح الله تعالى، لا أنها هي التي تسبح الله تعالى. والآيتان المذكورتان فيهما ما يرد هذا التأويل الفاسد، فآية سورة الأحزاب صريحة في أن الأمانة عرضت على السماوات والأرض والجبال، وعرض الشيء لا بد أن يكون على ما له إدراك، وإلا فيكون ذلك عبثاً، فالله تعالى منزه عن العبث، ثم إباؤها وإشفاقها من الأمانة دليل على الإدراك، وهذا المعنى تؤكده آية سورة فصلت التي قال الله تعالى فيها:(ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين ((١) ، فبين فيها أنه خير السماوات والأرض بين أن يأتيا طوعاً لأمر الله على سبيل الطاعة والاختيار، وبين أن يأتيا على سبيل القهر والتسخير، فاختارتا الإتيان الطوعي على الإتيان القهري، وذلك دليل واضح على الإدراك والاختيار. وأما آية سورة الإسراء فقد بينت أن جميع الخلق يسبحون بحمد ربهم تبارك وتعالى، ثم صرحت للإنس أنهم لا يفقهون كيف تسبح كل الكائنات ربها، ولكن أبى المفتونون بالتأويل والتحويل إلا أن يقولوا: إن تسبيحها غير معقول، وإدراكها غير مقبول، وأن الإنسان هو الكائن العاقل المدرك المتميز بعقله وإدراكه، وأن الجمادات لا تسبح الله إلا بلسان حالها لأنها لا تعقل، فكأنه يقول لربه الذي خلقه وقال له: (ولكن لا تفقهون تسبيحهم (بل نفقه تسبيحهم، وأنه يتم بلسان الحال، لا بلسان المقال.