فإن الله تعالى أرسل رسله ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، ويهدوهم إلى صراطه المستقيم، ويقيموهم على الملة القويمة، ويعلموهم العلم الصحيح النافع لهم في دينهم ودنياهم.
وكان مما أنزل الله على أنبيائه ورسله الهدى والبينات التي تعرف الخلق بربهم، وتنير قلوبهم بمعرفته المعرفة الصحيحة، التي تثمر تعظيمه وإجلاله ومحبته وخشيته ورجاءه والتعلق به، وتبعثهم على العمل الصالح والعلم النافع، مع التزكية والطهارة، ولزوم الأخلاق الحميدة والخصال الكريمة.
وفازت هذه الأمة من تلك التعاليم والنور والهدى بالحظ الأوفى والنصيب الأعلى بواسطة نبيها الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.
إلا أن طائفة من الأمة تنكبت الصراط، وزاغت عن المنهاج، وأخذت تبحث عن الطريق إلى معرفة الله تعالى من غير طريق الأنبياء ومسلك الأتقياء، ووقع اختيارها لسوء طالعها وشؤم نظرها وفساد فكرها على أفسد المسالك، وأعقد الطرائق، وابعدها عن الهدى، وأقربها وألصقها بمسلك إبليس عدو الله وعدوها، ألا وهو منهج الفلاسفة الوثنيين المتقدمين من اليونان ومقالتهم. فأحلوها بعجرها وبجرها محل وحي الله ورحمته وتعليمه وهدايته، فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، واشتروا الضلالة بالهدى، والغواية بالرشاد. فأعقبهم ذلك نفاقاً في قلوبهم وحيرة في نفوسهم مع ريب وشك، بل طعن وتنقص لربهم، وإنكار وجحود لخالقهم، والمنعم عليهم ربهم، رب العالمين سبحانه عما يصفون، وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
وهذه الطائفة ممن تنتسب إلى الإسلام زوراً وبهتاناً، وهم من يسمون " فلاسفة المسلمين "، الذين لايثبتون لله تعالى وجوداً ولاصفة، ولافعلاً ولاربوبية ولا ألوهية، وإنما حقيقة قولهم الإلحاد والكفر.