وإما مبادئ فاسدة وعقائد وثنية في رؤوسهم بنوا قولهم عليها، ولم يتبينوا فساد تلك المقالات لأن قلوبهم وعقولهم قد أشربت الضلالة فصارت منتكسة لا تستبين الصراط والنور والحق، والأخير في رأيي هو السبب المباشر لضلالهم وانحرافهم، ومن رأى ضلال البشر أدرك ذلك، فإنك ترى الرجل العاقل ذا النظر الثاقب والمعرفة الجيدة بأمور الدنيا، وقد يكون ذا رئاسة وزعامة لم يصل إليها إلا بحسن تدبيره وعلمه وعقله، ومع ذلك فتراه في آخر النهار يسجد لصنم أو يذهب إلى السوق ويشتري صنما ينظفه ويطيبه وينير الشموع له في البيت ثم يقدم له صنوف الخضوع والذلة والتعظيم والإجلال، وما ذلك لنقص في فهم، وإنما لما تشرب عقله ووجدانه وقلبه من عقيدة متعلقة بهذا الصنم، وقد يقبل في مقابل ذلك من الهذيان والقصص ما لا يروج على الأطفال لاستعداده لذلك، وهذا ما حدث لأولئك الفلاسفة الذين استخدموا عقولهم في أمور الدنيا، فلما ارتفعوا بنظرهم إلى الخالق لم يندرج معهم تحت مجال النظر والبحث والملاحظة ولا تحت القياس الشمولي، فرجعوا إلى عقائدهم يستلهمون منها المعاني التي يمكن أن توضح لهم المقالة في الله تبارك وتعالى إلا أن عقائدهم كانت وثنية، فأعطتهم مما فيها فخرجوا بهذه المقالات الساقطة والتخيلات الفاسدة - تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
ثم إن الفلاسفة لم يتمكنوا من الانتباه إلى عور تلك المقولات وفسادها بسبب ما درجوا عليه مما هو أفسد منها من العقائد، فلهذا قالوا بها وأخذها عنهم أمثالهم الذين هم مثلهم في المرض فلم يدركوا عورها وفسادها، أو وجدوها أفضل ما يمكن أن يتوصلوا إليه أو أفضل مما هم عليه من الإلحاد فالتزموها، ثم عملت الشهرة وباقي مقولات الفلاسفة في الأمور الدنيوية في إضفاء الهالة على كلامهم حتى صاروا يقاسون لدى أتباعهم بالأنبياء أو يوصفون بأنهم عظماء البشرية وهداتها.