٢- إن من نظر في الكون يجد انسجاماً تاماً واتساقاً عاماً، لا تضاد ولا تنافر، وإنما مخلوقات رتب خلقها وإيجادها وجميع شؤونها، بحيث تدل على موجد واحد، له صفات الكمال والجلال والحكمة والعلم. وهي في وجودها توحي بحكمة عامة وغاية عظيمة، فنرى فيها التكامل العجيب، فانظر الشمس والقمر والأرض، كيف رتب وجود كل منها ليخدم مهمة محددة بكيفية محددة، وانظر الزوجين الذكر والأنثى، وكيف خلقهما الله تعالى لتحقيق غاية ومهمة خاصة، يكمل كل واحد منهما الآخر.
وقل مثل ذلك في الحيوانات والزروع والثمار، وما لا يحصي الإنسان من الدلائل والبراهين، التي لا يمكن بحال أن تنسب إلى اثنين فضلاً عن ثلاثة وأربعة، إلى غير ذلك من دعاوى أهل الضلالة والانحراف.
وقد أشار الله تبارك وتعالى إلى وضوح هذه النظرة ودلالتهاعلى أن الله واحد لا شريك له بقوله:{أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحن الله رب العرش عما يصفون. لايسئل عما يفعل وهم يسئلون. أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون} الأنبياء (٢١-٢٤) .
٣- إن الدعاوى التى ادعاها هؤلاء الفلاسفة، ومن كان قبلهم من الوثنيين هي دعاوى مبنية على النظر العقلي في قضية وأمر هو من الغيب الذي لا يمكن للإنسان الوصول إلى الحقيقة فيه بنظره وفكره فقط، لأنه حديث عما لم يقع تحت حواسنا ومداركنا، فهو حديث عما هو موغل في القدم الزماني، الذي لا يعلم مداه إلا الله تعالى، والله (يقول:
{ماأشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا} الكهف (٥١) .
فهم لم يشهدوا شيئاً من ذلك، فدعاويهم كلها على ذلك باطلة مردودة.