وكذلك دعوى انبثاق الوجود من الحقيقة المحمدية هي دعوى أولئك انبثاق الوجود من النفس الكلية على الترتيب نفسه: الأرواح ثم العناصر. تشابهت قلوبهم وأقوالهم فحذو حذوهم حذو القذة بالقذة.
المطلب الثالث: قول فلاسفة الصوفية في وحدة الوجود.
الصوفية وخاصة ابن عربي ومن تأثر بقوله بنوا على دعواهم في الوجود المطلق لله (الذي هو عندهم لا صفة له ولا حد دعوى وحدة الوجود وهي دعوى بطنَّها وسترها ابن عربي في كتابه ((عنقا مغرب)) ولكنه صرح بها في كتابه ((فصوص الحكم)) وصرح بها من جاء بعده.
فيقول ابن عربي في كتابه ((عنقا مغرب)) أثناء تخيله لمحاورة خرافية بين أسماء الله (يبدو منها رغبة الأسماء في ظهور حقائقها وبروز أعيانها بالذوات وفي هذا يقول: ((فوزعت الأسماء (١) كلها مملكة العبد الإنساني على هذا الحد الرباني،وتفاخرت في الحضرة الإلهية الذاتية بحقائقها، وبينت حكم مسالكها وطرائقها،وتعجلوا في وجود الكون رغبة في أن يظهر لهم عين (٢) فلجؤا إلى الاسم المريد الموقوف عليه تخصيص الوجود، وقالوا:سألناك بهذه الحضرة التي جمعتنا والدار التي تسلمتنا إلا ما علقت نفسك بهذا الوجود المنتظر فأردته، وأنت يا قادر سألتك بذلك إلا ما أوجدته ... إلى أن قال: فتوقف الأمر على جميع الأسماء وأن بجملتها وجود عالم الأرض والسماء وما بينهما إلى مقام الاستواء ... إلى أن قال: فعندها (٣) وقع هذا الكلام الأنفس في هذا الجمع الكريم الأقدس تعطشت الأسماء إلى ظهور أثارها في الوجود ولا سيما الاسم المعبود)) (٤) .
فابن عربي يزعم في هذا الكلام الخرافي:أن الوجود هو مظهر عين أسماء الله، فإنها لم يكن لها وجود ذاتي إلا بهذا الوجود المحسوس، وقد صرح عن مذهبه هذا أكثر في كتابه ((الفصوص)) فقال: ((فما في الوجود مثلٌ، فما في الوجود ضد، فإن الوجود حقيقة واحدة والشيء لا يضاد نفسه (٥) .