هذه هي العلوم الشرعية التي يمثل كل منها تخصصاً مستقلاً محدد المعالم ولكنها رغم ذلك ذات تلازم لأن الشريعة التي قامت لخدمتها لا تتجزأ، وعليه فلابد للمتخصص في أي علم منها أن يركن تخصصه على معرفةٍ كلية بهذه العلوم، ولكن هذه المعرفة الكلية للمتخصص في أي واحد منها لا تغني عن الحاجة إلى متخصص بالدراسة الكلية إستقلالاً (١) ، لأن المتخصص الجزئي سيعود إلى تخصصه تدريساً وقراءة وتأليفاً ومعالجة، بحيث يستغرق فكرة هذا التخصص ومن ثم يغفل عن رعاية الجانب الكلي وعن الإرتباط الحيوي بين كليات النظم الشرعية، والواقع ماضياً وحاضراً يدل على ذلك..
وقد يقال إن هذا جار على عدم إمكانية وجود العالم المتمكن من كليات العلوم الشرعية وتفصيلاتها جميعاً وفي هذا شئ من المصادرة.
وهنا أقول إن الحق – كما أرى – هو ما سبق تقريره، إنه وإن كان هذا ممكناً بل متحققاً للصحابة والأئمة السابقين من بعدهم إلا انه أصبح صعباً بعد توسع العلوم وكثرة تفريعاتها وتشعب مناهجها، وإن تَحقق شئ من ذلك فلقلة من فحول العلماء معدودين كابن تيمية، وابن القيم وأمثالهما من ذوي الملكات الشمولية والموسوعية (٢) . وقد يُقِّيض الله من أبناء الأمة الإسلامية من يملك مثل قدرات هذين الإمامين الجليلين.
من ذلك تتبين ضرورة وجود متخصص يبحث الكليات في نظم الإسلام وترابطها، وما إلى ذلك من متعلقات.
ويكون مثاله كالفيلسوف بين علماء الطبيعة، إذ لكل علم مجاله الخاص منهجاً، وموضوعاً، فالرياضيات مجالها الكم، والطبيعيات مجالها الحركة والتغير وعلم النفس مجاله الظواهر النفسية والسلوك ... الخ.
والفيلسوف هو الذي يدرس موضوعات هذه العلوم في نظرة جامعة، ويعمل على الجمع بين عمومياتها، لينتج فلسفة موحدة ولهذا سماه (أوجست كونت)(ضابط الإتصال بين مختلف العلوم)(٣) .