وليس من شأننا، هنا، أن نفيض في التأريخ لهذه الدعوة (١) ، كما أنه ليس من شأننا، هنا، أن نبسط القول في مكوناتها وأدبياتها.
غير أنه لا بأس، حتى نتمثل طبيعة (المناخ) التصوري الذي انطلقت بين أحنائه الدعوة وتشكلت المواقف منها، أن نذكر بأبرز مظهر له وهو الذي كان يتمثل فيما أصاب عقيدة التوحيد من اختلال واهتراء أفرغاها من مضمونها الهادي الباني، فانعكس أثر ذلك على (حملتها) في حالة (الإكباب) التي تلبستهم في مجموع ما يأتون به من أفعال ويذرون من أمور، وكذلك في حالة (الشلل) الذي أصاب منهم الفكر والوجدان معاً ففقدوا، بسببه، القدرة على الإبداع والإبتكار في أي مجال من مجالات الحياة مادية وغير مادية ليكتفوا ب (الإجترار) و (التكرار) في كل باب طرقوه وفي كل مجال ولجوه. وكان من آثار اختلال العقيدة عندهم أن أخلدوا إلى الأرض، واتبعوا أهواءهم، واستسلموا عن طواعية، وفي خنوع مزر، لسلطان (الخوف) من (المجهول) ، ومن (الآخر) مما أتاح للشعوذة أن تبيض وتفرخ، ويمد متزعموها أياديهم في حياة أتباعهم من عامة الناس وخاصتهم، يصرفون أمورها وفق أهوائهم ومآربهم، مكرسين بذلك ألواناً من الحوادث والبدع، والضلالات والمنكرات في العقائد، والعبادات، والمعاملات ما فتئت تنأى بأصحابها وبمجتمعاتهم عن روح الإسلام شيئاً فشيئاً حتى غار، أو كاد، ماؤه، ونضب، أو كاد، معينه!
(١) أنجزت في ذلك دراسات كثيرة تناولت حياة الشيخ وسيرته بجميع جوانبها، كما عنيت بالدعوة ومبادئها وآثارها داخل الجزيرة وخارجها. وأعدت في ذلك رسائل ماجستير ودكتوراه في الجامعات السعودية وغيرها.