وبالإضافة إلى الزراعة اشتهرت اليمن ببعض الصناعات كصناعة الكتان وبعض الأسلحة كالسيوف والحراب والدروع وصناعة الجلود المعروفة بالأدم أو الأنطاع وصباغتها، كما توفر فيها الكثير من المعادن كالذهب والفضة والرصاص، والحديد، والأحجار الكريمة كالعقيق، والجزع وهو يشبه العقيق، كما اشتهرت اليمن أيضاً بالتجارة، فاشتغل اليمنيون وسطاء في التجارة بين الهند وبلاد العراق والشام ومصر. فاللؤلؤ الخليجي والتوابل والسيوف الهندية، والحرير الصيني والعاج والبن والذهب الأثيوبي كل هذه السلع كانت تصل إلى مصر والشام والعراق عن طريق اليمن. وانعكس هذا النشاط الاقتصادي على حياة اليمنيين فشيدوا بها أعظم الحصون والقصور والمباني (١) . ولقد متعهم الله سبحانه وتعالى بهذا الإزدهار الاقتصادي فترة ممتدة من الزمن فلمّا أعرضوا عن ذكر الله وطغوا ولم يشكروا، سلبهم الله تعالى ما أعطاهم فخرب سدّهم وتهدم، وأجدبت أرضهم فتفككوا وتفرقوا في الأرض بعد تجمع، فهاجرت قبائل الأزد الغساسنة إلى مشارف الشام، والتنوخيين إلى البحرين، والمناذرة إلى العراق، ورحل البعض إلى يثرب ومنهم الأوس والخزرج وغيرهم وقال الله سبحانه وتعالى عنهم:((فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العَرِم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أُكُلٍ خمط وأثلٍ وشيء من سدر قليل. ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلاّ الكفور)) [سبأ / ١٦ - ١٧] . ويستفاد مما تقدم أن التقدم والإزدهار الاقتصادي الذي تمتعت به اليمن في العصر الجاهلي ساعد على تركز وتجمع أهلها في مكان واحد حول سد مأرب، ومع فساد عقيدتهم وإعراضهم وطغيانهم وزوال هذا السد تدهورت الأوضاع الاقتصادية في هذه البلاد، وبالتالي تفككوا وتباعدوا وتفرقوا بالمفهومين المادّي والمعنوي. أي أن غياب البعد الإيماني والشكر على النعم أدى إلى التفكك والتباعد والتشتت.