هذان قولان، وفي المسألة أقوالٌ أخر، أكثرها يصدر عن نصِّ سيبويه السابق، ومنها:
١ أنَّ حروف اللينِّ حروف إعراب، وفيها إعرابٌ، وهو انقلاُبها، وهذا مذهب الجرميّ (١) ، أخذ به الفارسيّ والصفار، وعزواه إلى سيبويه معتمدين على نصِّه السابق (٢) ، وليس فيه ما يدلُّ على أنَّ الانقلاب إعرابٌ.
وألزم المبردُ الجرميَّ شيئين:
الأول: مخالفة إعراب الواحد؛ لأنَّ الانقلاب معنى، وليس بلفظ.
والثاني: ألا يكون في حال الرفع إعرابٌ؛ لأنَّه لا انقلاب فيها؛ إذ هي أولى حالات الاسم (٣) .
وهذا الوجه لا يلزم الجرميَّ؛ لأنَّ مقتضى قوله أنَّ بقاء اللَّفظ على حاله وعدم انقلابه إعرابٌ (٤) .
وألزم ابن جنِّي الجرميَّ المخالفة بين جهتي الإعراب؛ لأنه جعل الإعراب في الجر والنصب القلب، وهو معنويٌّ، وفي الرفع جعله لفظاً (٥) .
وردَّ أبو حيان هذا الإلزام بأنَّ الإعراب في حال الرفع ليس لفظاً؛ لأنَّها لا إعراب فيها، وعدم الإعراب يقوم فيها مقام الإعراب (٦) .
والمخالفةُ على توجيه أبي حيان أشدُّ؛ لأنه يقتضي أن يكون للناصب والجار أثرٌ، ولا أثر للرافع.
وأقوى ما رُدَّ به هذا المذهب ما ذكره ابن مالك من أنَّ تقدير الإعراب إذا أمكن راجحٌ على عدمه (٧) .
٢ ومنها أنَّ حروفَ اللِّين حروفُ إعراب، ولا إعرابَ فيها، وهو مذهب ابن جنِّي، وعزاه إلى سيبويه مستدلاً بقوله: "وتكون الزيادة الثانية نوناً، كأنَّها عوضٌ لما مُنع من الحركة والتنوين" (٨) ، فلو كانت الحركة في النيّة لما عوّضَ منها (٩) .
ومما يضعِّف هذا القول عدمُ النَّظير؛ إذ الإعراب لابدَّ له من علامة ظاهرة أو مقدرة.
٣ ومنها أنها حروف إعراب، والإعراب مقدَّرٌ فيها، وعُزي إلى الخليل وسيبويه (١٠) ، وفي عزوه إلى سيبويه نظرٌ؛ لأن النون عنده عوض من الحركة والتنوين، فلو كانت الحركة مقدَّرة عنده؛ لما عوَّض منها (١١) .
وقد ردّ هذا المذهب بوجهين: