.. إن ظاهرة تعدد الدلالات للمبنى اللفظي الواحد وإن بالغ البعض في القول بكثرتها وشيوعها في العربية وبالغ آخرون في إنكارها أو التقليل من شأنها ودار حولها النزاع كما أشرنا، فإن الواقع الفعلي يشهد بوجودها كظاهرة لغوية بارزة مألوفة، ليس في اللغة العربية وحدها، وإنما في اللغات السامية على عمومها، والنصوص الموروثة ونشاطات هذه اللغات على اختلافها تجسدها (١) ، كما أن القوانين اللغوية تقرها وسنن الحياة البشرية تقتضيها وتسلم بوجودها في كل اللغات المتطورة. (إن قدرة الكلمة على التعبير عن مدلولات متعددة إنما هي خاصة من الخواص الأساسية للكلام الإنساني.
وإن نظرة واحدة في أي معجم من معجمات اللغة لتعطينا فكرة عن كثرة ورود هذه الظاهرة، بل إن شحنة المعاني التي تحملها بعض الكلمات تدعو إلى الدهشة، لاسيما تلك الأفعال الكثيرة الشيوع والذيوع مثل: يعمل ويقوم ويضع ... الخ ((٢)
... أما بالنسبة لبروز ظاهرة الاشتراك اللفظي في اللغة العربية فقد صرح السيوطي بقوله:((وذهب بعضهم إلى أن الاشتراك أغلب - قال: لأن الحروف بأسرها مشتركة بشهادة النحاة، والأفعال الماضية مشتركة بين الخبر والدعاء، والمضارع كذلك، وهو أيضاً مشترك بين الحال والاستقبال والأسماء كثير فيها الاشتراك؛ فإذا ضممناها إلى قسمي الحروف والأفعال كان الاشتراك أغلب)) (٣) وفي موضع آخر ضمن حديثه عن المشترك اللفظي وعن الأضداد يقول أيضاً: ((وهذا الضرب كثير جداً، ومنه ما يقع على شيئين متضادين كقولهم: جلل للكبير والصغير وللعظيم أيضاً والجون للأسود والأبيض ... وهو أيضا كثير)) (٤) .