.. و (التجنيس) أو الجناس التام الذي لا يقوم به إلا الألفاظ المشتركة، ليس من مهمات الفصاحة والبلاغة عند ابن الأثير وابن حجة الحموي وحدهما، وإنما كان موضع اهتمام معظم البلاغيين والنقاد العرب القدامى عامة، إلى درجة أن قدمه بعضهم على الألوان البديعية الأخرى. فقد عده يحيى ان حمزة العلوي صاحب الطراز (ت ٧٤٥ هـ)((من ألطف مجاري الكلام ومن محاسن مداخله، وهو من الكلام كالغرة في وجه الفرس)) (١) ؛ وما ذلك إلا لما للتجنيس عندهم من ارتباط وثيق بالذوق اللغوي للشاعر أو المتكلم البليغ عامة ومن دلالة على رقة طبعه وتعمقه في اللغة وقوة تداعي الألفاظ والمعاني لديه، ثم لما للتجنيس البديع ذاته من أثر في التجسيد والإيحاء وجمال الإيقاع وجذب النفس وصرف الذهن إلى بديع المعاني. يقول البهاء السبكي (ت ٧٦٣ هـ) عن عماد الدين بن الأثير - وكان يجد هذا الأخير متعة في الإصغاء إلى التجنيس في الكلام -: ((إن مناسبة الألفاظ تحدث ميلاً وإصغاء إليها، ولأن اللفظ المشترك إذا حمل على معنى ثم جاء والمراد به معنى آخر كان للنفس تشوف إليه)) (٢) .
... ومن الجدير بالذكر أن عدداً من الكتاب الأوروبيّين الشكليين ولاسيما كتاب العصور الوسطى وما بعدها، قد أغرموا باستخدام الجناس - القائم على الاشتراك اللفظي - مثلما أغرم به الكتاب العرب من قبل، ويظهر ذلك واضحاً في عدد من مسرحيات الكاتب الفرنسي (جان راسين (Jean Racine، وكتابات الكاتب والشاعر الإيطالي