أما عن مبلغ المباحث اللغوية في العلوم الشرعية فإننا نلحظ أن المحتويات الأساسية لعلم أصول الفقه تتألف من علم الكلام، والمنطق، وعلم العربية، والعلم بالمقاصد والأحكام الشرعية. وأما عن تألفه من علم العربية فلتوقف معرفة دلالات الألفاظ من الكتاب والسنة، وأقوال أهل الحل والعقد من الأمة على معرفة موضوعاتها لغة، من جهة الحقيقة، والمجاز، والعموم، والخصوص، والإطلاق، والتقييد، والحذف، والإضمار، والمنطوق، والمفهوم، والاقتضاء، والإشارة، والتنبيه، والإيماء، وغيره، مما لا يعرف في غير العربية (١) . وفي ضوء اهتمام بعض المتخصصين في علم أصول الفقه بالمقاصد الشرعية في استنباط الأحكام من النصوص والنظر في وسائل تحقيق المصالح ودرء المفاسد، فإن على القائم بالتحليل اللغوي أن يسعى إلى بيان المقاصد من النصوص الشرعية، ولا يقتصر على تحليل الخصائص اللفظية للتراكيب الواردة فيها.
وتتضح أهمية تطوير الأسس اللغوية في العلوم الشرعية في الآراء المتعلقة بالقياس، والمعهود، والسياق، والمجاز، وغيرها، وما يؤدي إليه اختلاف المواقف منها في فهم النصوص الشرعية واستنباط الأحكام والمفاهيم منها. فلقضية إنكار القياس في أصول الفقه صلة بالمنهجية اللغوية للتعامل مع النصوص الشرعية عند "الظاهرية"، إذ ترد أهمية القياس من أن النصوص، والأفعال، والإقرارت الشرعية متناهية في ألفاظها، على الرغم من عدم تناهيها في مفاهيمها، وعدم تناهي الوقائع الحيوية مع تناهي العقل البشري. وقد انطلقت المذاهب الفقهية من فكرة تناهي النصوص لاتخاذ القياس دليلا شرعيا رابعا بعد الكتاب، والسنة، والإجماع (٢) .