ولابن رشيق القيرواني كلام حاسم في هذه المسألة ساقه في باب المبدأ والخروج والنهاية، فقال:((والعادة أن يذكر الشاعر ما قطع من المفارز، وما أنضى من الركائب، وما تجشم من هول الليل وسهره، وطول النهار وهجيره، وقلة الماء وغؤوره، ثم يخرج إلى مدح المقصود، ليوجب عليه حق القصد، وذِمَامَ القاصد، ويستحق منه المكافأة)) (١١٠) .
وهذا غيض من فيض من آراء النقاد الذين نظروا إلى وصف الناقة والرحلة في الصحراء على أنه جزء لا يتجزأ من المقدمة.
ثم أن النظرة الشاملة للقصيدة تبدد أي شك في أن المقدمة لم تنته بنهاية اللوحة الثالثة؛ ذلك لأن الغرض الرئيس للقصيدة هو الفخر الذي يبدأ بعد نهاية لوحة الناقة، بقوله:
قَوْمِي بَنُو النَّجَّارِ إنْ أَقْبَلَتْ
شَهْبَاءُ تَرْمِي أَهْلَهَا بِالْقَتَام
وليس قوله (دع ذا) في أول اللوحة الرابعة دليلاً على أنه قد وصل إلى غرضه؛ وإنما هو إشارة إلى أنه انتهى من لوحة ليشرع في لوحة أخرى من لوحات مقدمته. ومعنى ذلك أن حساناً قد خرج في مقدمته هذه على العرف الشعري الجاهلي، وتمرد على تقليد من تقاليد المقدمة.
... ويذهب الدكتور حسين عطوان إلى أنّ للمقدمة الطللية ثلاثة أشكال لاتتعدّاها إلى غيرها، هي: صورة الطلل بمفردها، وصورة الطلل مع صاحبته، وصورة الطلل والظعن (١١١) .
... ولكن يتبين في ضوء دراسة مقدمات حسان الجاهلية أن تقسيم الدكتور عطوان السابق يحتاج إلى مراجعة، إذ يبدو جلياً أن صور المقدمة الطللية تتجاوز الأشكال التي حددها الدكتور عطوان إلى أشكال أخرى، مثل: المقدمة الطللية الظعنية الغزلية (الصورة الخامسة) ، وهي التي تضم لوحة الطلل، ولوحة الغزل، ولوحة الظعن. كما يجد القارئ في قصيدة حسان الميمية التي مطلعها (١١٢) :