فأهمية دراسة حقوق الإنسان في فلسفة الثورة الفرنسية ليست منحصرة زمانياً ولا مكانياً، لأن الثورة الفرنسية ليست في جوهرها حقبة ماضية من التاريخ ولا حركة محصورة جغرافياً؛ فهي أهمية تتجاوز زمان الحدث ومكانه وتتصل بتداعياته المستمرة على صعيد العالم كله. وبتعبير أدق فإن نظام حقوق الإنسان الذي جاءت به الثورة الفرنسية ينطوي على أهمية تعليمية متجددة بالنسبة لأية محاولة لخدمة حقوق الإنسان وتوفير ضمانات ازدهارها. وهو كذلك، وهذا هو الأخطر، يطرح على العالم العربي والإسلامي تحدّياً لنظام حقوق الإنسان القائم في تراثه وحضارته والمتناقض معه تناقضاً جذرياً ليس في نطاق هذه الدراسة أن تتصدى له. وسوف يثبت هذا البحث أن نظام حقوق الإنسان الذي ولد مع إعلان ١٧٨٩ م يحمل في طياته تهديداً خطيراً لحقوق الإنسان، وإنْ كانت واجهته البراقة تخفي هذا التهديد تحت ثوب قشيب من تمجيد حرية الفرد. وهذه الحقيقة قمينة بأن تستحث الفكر الإسلامي على استجلاء الأسس العميقة التي يطرحها الإسلام لحقوق الإنسان والتي تمثِّل النقيض الجذريّ لفلسفة الثورة الفرنسية.
خطة البحث:
تدور هذه الدراسة حول ثلاثة محاور هي الفرد والسلطة والقانون. ذلك أن الفرد، في فلسفة الثورة الفرنسية، هو الحقيقة الأساسية أو الأولى؛ إنه جوهر الدولة التي ليس لها أصل تتأصل فيه وراء الحقيقة الفردية المطلقة. فكان لابد إذن من أن نبدأ بالفرد لفحص مضامين هذه الفردية المطلقة التي هي روح عصر التنوير (القرن الثامن عشر) والتي تشبّع بها الجيل الذي فجّر الثورة في أواخر هذا العصر أي في العام