للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتكرار لا يقوم فقط على مجرد تكرار اللفظة في السياق الشعري، وإنما ما تتركه هذه اللفظة من أثر انفعالي في نفس المتلقي، وبذلك فإنه يعكس جانباً من الموقف النفسي والانفعالي، ومثل هذا الجانب لا يمكن فهمه إلا من خلال دراسة التكرار داخل النص الشعري الذي ورد فيه، فكل تكرار يحمل في ثناياه دلالات نفسية وانفعالية مختلفة تفرضها طبيعة السياق الشعري، ولو لم يكن له ذلك لكان تكراراً لجملة من الأشياء التي لا تؤدي إلى معنى أو وظيفة في البناء الشعري، لأن التكرار إحدى الأدوات الجمالية التي تساعد الشاعر على تشكيل موقفه وتصويره ولابد أن يعتمد التكرار بعد الكلمة المتكررة حتى لا يصبح التكرار مجرد حشو، فالشاعر إذا كرر عكس أهمية ما يكرره مع الاهتمام بما يعده حتى تتجدد العلاقات وتثرى الدلالات وينمو البناء الشعري (١) . وهذا ما دفع بعض البلاغيين إلى النظر لظاهرة التكرار من زاوية أخرى، إذ رأوا أن التكرار قد يقع في المعنى دون اللفظ، فيري ابن الأثير الحلبي أن التكرار قسمان: أحدهما يوجد في اللفظ والمعنى والآخر في المعنى دون اللفظ، فأما الذي يوجد في اللفظ والمعنى كقولك لمن تستدعيه: أسرع أسرع. وأما الذي يوجد في المعنى دون اللفظ فكقولك: أطعني ولا تعصني فإن الأمر بالطاعة هو النهي عن المعصية (٢) . فمثل هذه الملاحظة ترصد دقة الكشف عن حركة الملحظ البلاغي في السياق، فهي إشارة إلى أن التكرار يتشكل في مستويين: الأول: مستوى لفظي ومعنوي والثاني معنوي (٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>