متتالية في قصيدة، وهو لون شائع في شعرنا المعاصر، يلجأ إليه صغار الشعراء ولا يعطيه الأصالة والجمال إلا شاعر موهوب حاذق يدرك المعول لا على التكرار نفسه وإنما ما بعد الكلمة المكررة (١) .
أما التكرار عند الشابي فهو صورة لافتة للنظر، تشكلت في ديوانه ضمن محاور متنوعة وقعت في الكلمة وتكرار البداية وتكرار اللازمة. وقد ظهرت في شعره بشكل واضح وشكل منها إيقاعات موسيقية متنوعة تجعل القاريء والمستمع يعيش الحدث الشعري المكرر وتنقله إلى أجواء الشاعر النفسية، إذ كان يضفي على بعض هذه التكرارات مشاعره الخاصة فهي بمثابة لوحات إسقاطية يتخذها وسيلة للتخفيف من حدة الصراع الذي كان يعيشه أو حدة الإرهاصات التي واجهها في حياته سواء ما تعلق بمحيطه الأسري أو محيطه الخارجي أو قد تكون ناتجة عن تأثير الثقافات العربية التي اطلع عليها كجبران أو الغربية كتأثيره بالشاعر الفرنسي لامارتيه، إضافة إلى إحساس الشابي المرهف التي جعلته يعيش غربة روحية وفكرية، فحاول التخلص منها برحلته الخيالية إلى الفردوس المفقود الذي ينشد فيه الكمال والسعادة. فأصيب بخيبة أمل من هذا الواقع، مما جعله يلح ويؤكد على التغيير والتبديل للارتحال إلى عالم آخر، فوجد في التكرار غايته وطموحه، فثار على الحياة لتفاؤله بما بعد الحياة وثار على إنسان عصره لإحساسه بوجود كوني آخر يتمثل فيه الإنسان المثال أو النموذج، لذلك حاول أن يخلق من خلال التكرار واقعاً سياسياً واجتماعياً جديداً، فوظف هذه الصور التكرارية لرفض النمط التقليدي على مستوى الإنسان وعلى مستوى المجتمع، وهذا التجديد لايختلف عن محاولات الشاعر التجديدية التي ظهرت في شعره، فكان يكتب من فيض الروح ويستنطقها، لذلك كان شعره قريب الفهم والإدراك، لأن لغة الروح لغة كل زمان ومكان، وهذه اللغة تمثلت في عباراته البسيطة، لكنها كالسيف القاطع تهوي في خط مستقيم غلب عليها أنها عبارات موسيقية راقصة (٢) .