للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الاتجاه إلى تكريس سيادة العقل سوف يتلقى في القرن الخامس الميلادي دفعة قوية على يد القديس أوغسطين Saint Augustin صاحب (مدينة الله La Cite de Dieu) و (سلطة النوع الإنساني - L’autorite du genre humain) والذي عرّف الوجود بأنه ظاهرة وعي Phenomene do la Conscience. وواضح أن القديس أوغسطين أعطى الوعي أولوية تجعل منه، وهو من أوائل فلاسفة المسيحية الكبار، رائد المذهب العقلاني في التاريخ الأوروبي. إنه، كما يقول كوستاس يايويانوّ Kostas Papoiannou (١) ، الجدّ الأعلى لهيجل Hegel. وهيجل (١٧٧٠ - ١٨٣١ م) هو الذي قال إن الدولة هي التجسيد الواقعي للفكرة المطلقة. وفي قلب العصر الوسيط تطالعنا في أوساط رهبان الكنيسة النزعات التي سوف تطبع العصر الحديث، وهي العقلانية والليبرالية والفردية التي حاولت الكنيسة دون جدوى قمعها والتي نجم عنها في أوساط الرهبان تصوّر للأخلاق متحرر من القانون الديني. وتسلمنا هذه المرحلة القلقة من مراحل العصر الوسيط إلى رمز كبير من رموز الكاثوليكية في القرن الثالث عشر (أواخر العصر الوسيط) ، إلى القديس توماس الاكويني Saint Thomas D'Aquin (١٢٢٦ - ١٢٧٤ م) الذي يعرِّف الإنسان بأنه من الناحية الجوهرية عقل L’homme est essentiellement raison والذي يكرِّس الفرد على ما هو عليه في واقعه المحسوس. وقد قيل إنه أبو الفلسفة الحديثة (٢) . وتتجاوب رؤيته للسلطة السياسية مع رؤيته هذه للإنسان: فالسلطة التي هي حق إلهي طبيعي، مفوَّضة إلى الشعب، بمعنى أن الشعب يختص بتعيين الحكام من وسطه؛ وهكذا يعرِّف رئيس الدولة بأنه نائب الجماعة Vicaire de la multitude (٣) . ونستطيع أن نلحظ الدلالة الخطيرة والمثيرة التي ينطوي عليها مذهبه: فإذا كان الإنسان جوهراً عقلياً فإن السلطة الطبيعية للجماعة هي في التحليل الأخير سلطة قائمة بذاتها أي مطلقة. إن مذهب القديس توماس الاكويني

<<  <  ج: ص:  >  >>