ولذلك لم يكفّر بعض العلماء كثيراً من المعتزلة وكثيراً من الجهمية ( [٥٥] ) وكثيراً من غلاة الأشاعرة الذين ينكرون علو الله تعالى ( [٥٦] ) ، ويقولون: إن الله تعالى في كل مكان بذاته ( [٥٧] ) ، ومن أجله أيضاً لم يكفر بعض العلماء بعض من يغلون في الموتى ويسألونهم الشفاعة عند الله تعالى ( [٥٨] ) ، ومن أجله كذلك لم يكفر الصحابة – رضي الله عنهم – الخوارج الذين خرجوا عليهم وحاربوهم، وخالفوا أموراً كثيرة مجمعاً عليها بين الصحابة إجماعاً قطعياً ( [٥٩] ) .
وعلى وجه العموم فهذه المسألة مسألة كبيرة من مسائل الاجتهاد التي تختلف فيها أنظار المجتهدين، وللعلماء فيها أقوال وتفصيلات ليس هذا موضع بسطها ( [٦٠] ) .
ولهذا ينبغي للمسلم أن لا يتعجل في الحكم على الشخص المعين أو الجماعة المعينة بالكفر حتى يتأكد من وجود جميع أسباب الحكم عليه بالكفر، وانتفاء جميع موانع التكفير في حقه ( [٦١] ) ،وهذا يجعل مسألة تكفير المعين من مسائل الاجتهاد التي لا يحكم فيها بالكفر على شخص أو جماعة إلا العلماء الذين بلغوا مرتبة الاجتهاد ( [٦٢] ) ، لأنه يحتاج إلى اجتهاد من وجهين: الأول: هل معرفة هذا القول أو الفعل الذي صدر من هذا المكلف مما يدخل في أنواع الكفر الأكبر أو لا؟ . والثاني: معرفة الحكم الصحيح الذي يحكم به على هذا المكلف، وهل وجدت جميع أسباب الحكم عليه بالكفر وانتفت جميع الموانع من تكفيره أو لا؟ ( [٦٣] ) .
والحكم على المسلم بالكفر وهو لا يستحقه ذنب عظيم؛ لأنه حكم عليه بالخروج من ملة الإسلام، وأنه حلال الدم والمال، وحكم عليه بالخلود في النار إن مات على ذلك، ولذلك ورد الوعيد الشديد في شأن من يحكم على مسلم بالكفر، وهو ليس كذلك، فقد ثبت عن أبي ذر قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك"( [٦٤] ) .