واليهود أهل التوراة يعرفون حقيقة معنى الروح، ويعرفون أن الروح القدس هو الذي يأتي بالوحي إلى الأنبياء، وأنه جبريل عليه السلام، وأنه ينفذ أوامر الله، لا يأتي بشيء من عنده، وما هو إلا عبد الله ورسوله، وأحد خلقه من ملائكة الله المقربين، ولكنهم مع كثرة نزوله بالعقاب عليهم لكثرة عصيانهم لله، ومخالفة أمره، كرهوا ملاك الله جبريل، وكرهوا اسمه، واعتبروه عدواً لهم، ومحارباً لهم، فقد ذكرسفر أشعياء هذه العداوة التي ملأت قلوبهم، ونطقت بها أفواههم، إذ جاء فيه:((إحسانات الرب، اذكر تسابيح الرب حسب كل ما كافأنا به الرب، والخير العظيم لبيت إسرائيل الذي كافأهم به حسب مراحمه وحسب كثرة إحساناته، وقد قال حقاً إنهم شعبي، بنون لا يخونون، فصار لهم مخلصاً، في كل ضيقهم تضايق، وملاك حضرته خلصهم، بمحبته ورأفته هوفكَهم، ورفعهم وحملهم كل الأيام القديمة، ولكنهم تمردوا وأحزنوا روح قدسه، فتحول لهم عدواً وهو حاربهم)) (١٩) .
هذه العداوة من اليهود للروح القدس جبريل عليه السلام جعلتهم يكرهون ذكر اسمه، لذلك فقد اهتم اليهود بسؤال الأنبياء عن الروح الذي يأتي بالوحي من السماء، فإن كان جبريل قاطعوا النبي ولم يسمعوا له، فقد ثبت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: سمع عبد الله ابن سلام بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في أرضٍ يخترف، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي، فما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: أخبرني بهن جبريل آنفاً، قال: جبريل؟ قال: نعم، قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الآية:((من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك)) (٢٠) ... الحديث)) (٢١) .