فإذا أمرنا بالتقوى والبر والصدق والعفة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والجهاد ونحو ذلك لم يرد منا أن نأتي من ذلك بأقل ما يطلق عليه الاسم وهو مطلق الماهية المأمور بها بحيث نكون ممتثلين لأمره إذا أتينا بذلك.
وتمام تقرير هذا الوجه بما تقدم في تقرير الأمر بمتابعتهم سواء.
٩-قوله تعالى:- {وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً}[البقرة ١٤٣] .
ووجه الاستدلال بالآية أنه تعالى أخبر أنه جعلهم أمةً خياراً عدولاً.
هذا حقيقة الوسط. فهم خير الأمم وأعدلها في أقوالهم وأعمالهم وإراداتهم ونياتهم. وبهذا استحقوا أن يكونوا شهداء للرسل على أممهم يوم القيامة.
والله تعالى يقبل شهادتهم عليهم. فهم شهداؤه؛ ولهذا نوه بهم ورفع ذكرهم وأثنى عليهم. لأنه تعالى لما اتخذهم شهداء أعلم خلقه من الملائكة وغيرهم بحال هؤلاء الشهداء وأمر ملائكته أن تصلى عليهم وتدعو لهم وتستغفر لهم.
والشاهد المقبول عند الله هو الذي يشهد بعلم وصدق. فيخبر بالحق مستنداً إلى علمه به.كما قال تعالى:- {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون}[الزخرف ٨٦] .
فقد يخبر الإنسان بالحق اتفاقاً من غير علمه به. وقد يعلمه ولا يخبر به.
فالشاهد المقبول عند الله هو الذي يخبر به عن علم.
فلو كان علمهم أن يفتي أحدهم بفتوى وتكون خطأ مخالفةً لحكم الله ورسوله ولا يفتي غيره بالحق الذي هو حكم الله ورسوله إما مع اشتهار فتوى الأول أو بدون اشتهارها كانت هذه الأمة العدل الخيار قد أطبقت على خلاف الحق بل انقسموا قسمين:- قسماً أفتى بالباطل، وقسماً سكت عن الحق. وهذا من المستحيل؛ فإن الحق لا يعدوهم ويخرج عنهم إلى من بعدهم قطعاً. ونحن نقول لمن خالف أقوالهم لو كان خيراً ما سبقونا إليه.