لا جرمَ أن النحويين اختلفوا في تحديد مصطلح (التنازع) وتعريفه، كما اختلفوا في وجه تسميته وجوانِبِه المختلفةِ، ولم يكن مصطلح التنازع معروفًا لدى سيبويه (ت: ١٨٠هـ) . إن القدماءَ لم يهتمّوا به اهتمامًا وافيًا؛ لأن العلومَ كانت في عُنْفُوَانِ شبابها، وتأتي معالجتُهُم له مبعثرةً في كتب النحو. فما نجده من مصطلحاتٍ عند أحدِ النحاة، كثيرًا ما نجد ما يُخالفُهُ لفظًا عند غيره، أو نجد هذا المصطلحَ لمفهوم آخر وذلك في موضع آخر، ناهيك عن تداخل المصطلحات بين العلومِ المختلفة؛ ( [٥] ) لذلك أرى أن سيبويه يذكر مسائلَ التنازع تحت عنوان: " هذا باب الفاعِلَيْنِ والمفعُوْلَيْنِ اللّذَيْنِ كلُّ واحد منهما يَفْعَلُ بفاعِلِهِ مثلَ الذي يَفْعَلُ به وما كان نحو ذلك"( [٦] )" وإن كان رحمه الله لم يجمعْ في الترجمة مسائلَ الباب كما جرت عادته في أكثر أبواب كتابه وإنما اكتفى منها ببعض مسائل الباب اتّكالاً على فهم الباقي في نثر المسائل أو من تفهيم الموقف، ... "( [٧] ) . وتابع الزجاجي (ت: ٣٣٧هـ) وغيره سيبويه في هذا المفهوم وذكر أحكامَ التنازع تحت عنوان: " باب الفاعلَين والمفعولَيْن اللَّذَيْن يفعل كل واحد منهما بصاحبه مثل ما يفعل به الآخر"( [٨] ) . ونرى المبرّد (ت: ٢٨٥هـ) يعرِض مسائلَ هذا الباب تحت عنوان:" الإخبار في باب الفِعْلَيْنِ المعطوف أحدهما على الآخر"( [٩] ) . وسار مسيرَه سابق الدين محمد بن علي بن يعيش الصنعاني (ت: ٦٨٠هـ) فيعرض مسائلَه تحت عنوان: " عقد في باب إعمال الفِعْلَيْنِ اللَّذَيْنِ يعطف أحدهما على الثاني"( [١٠] ) . ولم يتعرض الزمخشري (ت: ٥٣٨هـ) لذكر مصطلح التنازع، ولكنه يذكر مسائله تحت باب الفاعل ويقول:" ومن إضمار الفاعل قولك ضَرَبَنِي وضَرَبْتُ زيدًا ... ولما لم يكن بدّ من إعمال أحدهما فيه أعملت الذي أوليته إياه"( [١١] ) . ويذكر موفق الدين ابن يعيش (ت: ٦٤٣هـ) مسائلَ هذا الباب تحت