إن المناوشة الفكرية والنفسية ما بين المتلقي والنص المثقل بالغموض، والمبني من خلال الأساليب البلاغية تجعل المتلقي أكثر تحفزاً وقلقاً وتوتراً إزاء المفاجآت، والاحتمالات المتعددة، والدلالات المتباينة للمعاني لمعرفة التناسق بين هذه المعاني والتعابير الشعرية، وذلك للوصول إلى ادراك سر النص الابداعي وغايته، وفك ألغاز صوره ودلالاته، والوقوف على الاهتزاز الحاصل بين المعاني والتعابير قبل دخلوها النص، والبنية التي آلت إليها بعد دخولها النص. ولعل هذا التوتر والمتابعة ما بين المتلقي والنص يخلق نوعاً من الدهشة واللذة الغامرة للمتلقي، فيشعر بعد هذه المعاناة بالمتعة النفسية والفكرية. يقول السجلماسي بهذا الخصوص:"والاقتضاب هو اقتضاب الدلالة، وذلك أن يقصد الدلالة على ذات معنى فيترقى عن التعبير المعتاد، وعبارة التأخر من الجمود على مسلك وأسلوب واحد، من أساليب العبارة، ونحو واحد من أنحاء الدلالة، فيظهر المقدرة على العبارة عن المعاني، وبعد مرماه في التصرف في مجال القول، وتوسعة في نطاق الكلام فيقتضب في الدلالة على ذات المعنى، والدلالة عليه باللوازم والعوارض المتقدمة، أو المتأخرة، أو المساوقة، اعتماداً على ظهور النسبة بين اللوازم وبين الملزوم، وقوة الوصلة والاشتراك بينهما. وفي ذلك ما فيه من الإلذاذ للنفس والإطراب لها بالغرابة والطراءة التي لهذا النوع من الدلالة. والسبب في ذلك كله هو ما جبلت النفس عليه وعنيت به وجعل لها من ادراك النسب، والوصل، والاشتراكات بين الأشياء؟، وما يلحقها عند ذلك، ويعرض لها من انبساط روحاني وطرب"(٥١) .
الهوامش والتعليقات
(١) ابن منظور: لسان العرب: مادة غمض.
(٢) انظر.
Woolf, Henry Bosley (and others) : Webster's New Collegiate Dictionary, Merriam Company, Massachusetts, ١٩٧٦.