“ المثاقفة النقدية ” تكشف لنا إشكالية الثقافة العربيّة في مثاقفتها مع الغرب في جميع المعارف، فهي إشكالية منهج هذه الإشكالية يمكن اختصارها في اتجاهين متعارضين:((أحدهما: يدعي الأصالة ولكنه منغلق عاجز. والثاني: يزعم التفتح ولكنه واقع في براثن التبعيّة والاستلاب)) ( [٤٦] ) .
وكثيراً ما يذهب أصحاب الاتجاه الثاني إلى الحديث عن نجاحهم في كسر شوكة الجبهة المضادة التي تراجعت إلى الصفوف الخلفية وانتقلت من مرحلة الهجوم إلى موقع الدفاع، وأعلنت إفلاسها الثقافي عندما جمدت التراث في قوالب ثابتة مقابل التألق والتجدد وتعدد الرؤى عند أصحاب الاتجاه الأول كما يعبر سامي سويدان ( [٤٧] ) .
والانغلاق “ والانفتاح ”، أو الرفض المطلق والقبول المطلق دليل تيه منهجي ومثاقفة بلا وعي ((لا الرفض بحد ذاته قادراً على إضعاف حضور تلك المناهج في سياقات حضارية غير سياقاتها، ولا مجرد القبول ممكناً من منح تلك المناهج صفة الحياد الذي يمكنها من الانسجام الكامل داخل أطرٍ ثقافية غير أطرها الأصلية..)) ( [٤٨] ) .
أسهل الحلول بروز نزعة توفيقية في النقد العربي الحديث تدّعي توافق كثير من المفاهيم النقدية بين خطابين نقديين مختلفين “ غربي ” و “ عربي ” بحجة أن كثيراً من المفاهيم النقدية الجديدة عن الغرب ذات أصول ضاربة في تراثنا النقدي فالبيئة بوصفها سمة مميزة للإبداع موجودة عند الجاحظ والقاضي الجرجاني وابن رشيق، والوجهة النفسية في تحليل النص الأدبي مبثوثة في تراث عبد القاهر، والتناص هو السرقات الشعرية، والبنية الفوقية والتحتية يمكن أن نجد لها أصولاً في “ المعنى ” و “ معنى المعنى ”.