الثقافة العربية تدخل ألفيتها الثانية* في غبشٍ من التصوّر أفقدها كثيراً من القيم، وأدخلتها المثاقفة غير المتكافئة نفقاً مظلماً لا يمكن الخروج منه إلا باستراتيجية* واعية تستشعر عالمية الإسلام، وخصوصية الثقافة، وكرامة الإنسان واستخلافه.
* المثاقفة غير المتكافئة سلخت من أذهان المثقفين العرب “ حقيقة الثقافة ” حيث إن الثقافة في العربية تعني مجموعة من الدلالات المهمّة.
١ - مضمون مفهوم الثقافة نابعٌ من الذات الإنسانية، لا يُغرس فيها من الخارج فكلمة ثقافة تعني تهذيب الفطرة البشرية وتقويم اعوجاجها وإطلاق طاقاتها.
٢ - مفهوم الثقافة يعني التنقيب عن قيم الحق والخير والعدل، وهي قيم تهذب الوجود وتقوّم اعوجاجه، وكل قيمة تناهض هذه القيمة لا تتسق مع مقتضيات التهذيب.
٣ - مفهوم الثقافة مرتبط بالفطنة والذكاء يقال: غلام لَقِنٌ ثقف أي ذو فطنة وذكاء. والمراد أنه ثابت المعرفة بما يحتاج إليه، فتكديس الأفكار الميتة أو المميتة كما يرى مالك بن نبي ليس وعياً، وإنما الوعي في إدراك ما تقتضي الحاجة إلى معرفته لصناعة الحياة، وإصلاح المجتمع.
٤ - مفهوم الثقافة في أصله العربي مرتبط بالنقد الذاتي والمراجعة والتهذيب والإصلاح.
٥ - مفهوم الثقافة لا يحمل أحكاماً قيمية تحدد نوعية الثقافة وحشية أو بربرية أو بدائية أو مستنيرة، فالتهذيب يجعل من الثقافات انطلاقاً من قيم المجتمعات التي تنتمي إليها، وظروفها التي تعيشها على درجة واحدة من القيمة الإنسانية ( [٥١] ) .
٦ - مفهوم الثقافة يعني التمكن والغلبة.
وهذه الدلالات لا نجدها في المفهوم الغربي للثقافة الذي يعني زراعة الأرض، ((الكل المركب الذي يشمل المعارف والعقائد والفن والأخلاق والقانون والعرف وكل القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في مجتمع)) ( [٥٢] ) .