للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبين هود (أنه واثق غاية الوثوق أنه لا يصيبه منهم، ولا من آلهتهم أذى؛ ولهذا أشهد الله وأشهدهم أنه (بريء من جميع الأنداد والأصنام، ثم قال لهم: (فَكِيدُونِي جَمِيعًا (أي اطلبوا لي الضرر كلكم، أنتم وآلهتكم، إن كانت حقاً، بكل طريق تتمكنون بها مني ولا تمهلون طرفة عين، (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ (واعتمدت عليه في أمري كله، فهو خالق الجميع، ومدبرنا وإياكم، وهو الذي ربانا، فلا تتحرك دابة ولا تسكن إلا بإذنه، فلوا اجتمعتم جميعاً على الإيقاع بي، والله لم يسلطكم علي، لم تقدروا على ذلك؛ فإن سلطكم فلحكمة أرادها، (إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (أي على عدل وقسط وحكمة، لا تخرج أفعاله عن الصراط المستقيم، التي يحمد، ويثنى عليه بها (١) .

أما سؤال الناس فيما يقدرون عليه فتركه أولى، وذلك أن في طلب الناس وسؤالهم ذلة وخضوعاً، والمسلم مطالب بإظهار كمال الذل والخضوع لله وحده لا شريك له.

يقول ابن رحب: ((واعلم أن سؤال الله تعالى، دون خلقه هو المتعين، لأن السؤال فيه إظهار الذل من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار، وفيه الاعتراف بقدرة المسؤول على دفع هذا الضرر، ونيل المطلوب، وجلب المنافع، ودرء المضار، ولا يصلح الذل والافتقار إلا لله وحده، لأنه حقيقة العبادة)) (٢) .

وقال في كتاب آخر: ((واعلم أن سؤال الله تعالى دون خلقه هو المتعين عقلاً وشرعاً، وذلك من وجوه متعددة، منها: أن السؤال فيه بذل ماء الوجه وذلة للسائل، وذلك لا يصلح إلا لله وحده، فلا يصلح الذل إلا له بالعبادة والمسألة، وذلك من علامات المحبة الصادقة.


(١) انظر تفسير القرآن العظيم ٢/٢٣١، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص ٣٤٠.
(٢) جامع العلوم والحكم ص ٤٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>