للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول السعدي عند تفسير الآية السابقة من سورة البقرة: ((يخبر تبارك وتعالى أنه لا بد أن يمتحن عباده بالسراء والضراء والمشقة، كما فعل بمن قبلهم، فهي سنته الجارية، التي لا تتغير ولا تتبدل، أن من قام بدينه وشرعه لا بد أن يبتليه؛ فإن صبر على أمر الله، ولم يبال بالمكاره الواقعة في سبيله، فهو الصادق الذي قد نال من السعادة كمالها، ومن السيادة آلتها، ومن جعل فتنة الناس كعذاب الله؛ بأن صدته المكاره عما هو بصدده، وثنته المحن عن مقصده، فهو الكاذب في دعوى الإيمان؛ فإنه ليس الإيمان بالتحلي والتمني، ومجرد الدعاوى، حتى تصدقه الأعمال أو تكذبه، فقد جرى على الأمم الأقدمين ما ذكر الله عنهم (مستهم البأساء والضراء (أي الفقر والأمراض في أبدانهم، (وزلزلوا (بأنواع المخاوف من التهديد بالقتل والنفي، وأخذ الأموال، وقتل الأحبة، وأنواع المضار، حتى وصلت بهم الحال، وآل بهم الزلزال إلى أن استبطؤوا نصر الله مع يقينهم به، ولكن لشدة الأمر وضيقه (يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله (، فلما كان الفرج عند الشدة، وكلما ضاق الأمر اتسع، قال تعالى: (ألا إن نصر الله قريب (فهكذا كل من قام بالحق فإنه يمتحن، فكلما اشتدت عليه وصعبت – إذا صابر وثابر على ما هو عليه – انقلبت المحنة في حقه منحة، والمشاق راحات، وأعقبه ذلك الانتصار على الأعداء، وشفاء ما في قلبه من الداء)) (١) .

وأخبر (عن يعقوب عليه الصلاة والسلام أنه لم ييأس من لقاء يوسف عليه الصلاة والسلام وأخيه، وقال: (عَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ((٢) ، وقال لبنيه: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُون ((٣) .


(١) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص٧٩.
(٢) سورة يوسف، الآية ٨٣.
(٣) سورة يوسف، الآية ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>