ولقد اهتم الإسلام بالصبر، ورفع منزلته، وأثنى على المتحلين به، وهذا يدل على عظم أمره، لأنه أساس كثير من الفضائل، بل هو أصلها، فما من فضيلة إلا وهي محتاجة إليه، فالشجاعة هي الصبر على مكاره الجهاد، والعفاف هو الصبر عن الشهوات، والحلم هو الصبر على المثيرات. لهذا أحب الله سبحانه وتعالى الصابرين فقال عز وجل: (والله يحب الصابرين (] آل عمران ١٤٦ [
وقال تعالى: (ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (] النحل ٩٦ [.
وأخبر سبحانه وتعالى أنهم ينالون مزيداً من الفضل والرحمة والثواب في الدنيا والآخرة، فقال: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب (] الزمر ١٠ [.
كما أخبر الله تعالى أن الصبر من الخصال العظيمة التي يجب أن يتصف بها المؤمنون فقال عز وجل: (وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور (] آل عمران ١٨٦ [. وجمع للصابرين بين أمور لم يجمعها لغيرهم، فقال تبارك وتعالى: (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون (] البقرة ١٥٧ [.
فالصبر وحده هو الذي يعصم من التخبط، ويجعل المسلم يسير متزناً وفق منهج الإسلام في كل شؤون الحياة، فلابد أن يوطن المسلم نفسه على احتمال المكاره دون ضجر، ومواجهة الأعباء مهما ثقلت، وكان الأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام ممن برز في هذه الفضيلة، وفي مقدمتهم أولوا العزم من الرسل، ولذلك خاطب الله نبيه الخاتم صاحب الخلق العظيم (، وأمره بالصبر، فقال تعالى: (فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل (] الأحقاف ٣٥ [.
فنبينا محمد (، أوذي أذىً شديداً ولقي من قومه ما لقي من البلاء، فصبر، واحتمل، وبلّغ رسالة ربه، حتى أتاه اليقين.
يقول الماوردي:"فقد لقي بمكة من قريش وغيرهم ممن كان يدعوهم إلى الله أو يطلب منهم حمايته ليؤدي رسالة الله ما يشيب النواصي، وهو مع ذلك صابر صبر المستعلي، وثابت ثبات المستولي"(١)