للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد عرفه أيضاً ابن القيم رحمه اللَّه في موضع آخر فقال: (وقد اختلفت عبارات الناس في معنى القلب السليم، والأمر الجامع لذلك: أنه الذي قد سلم من كل شهوة تخالف أمر اللَّه ونهيه، ومن كل شبهة تعارض خبره، فسلم من عبودية ما سواه، وسلم من تحكيم غير رسوله، فسلم في محبة اللَّه مع تحكيمه لرسوله في خوفه ورجائه والتوكل عليه، والإنابة إليه والذل له، وإيثار مرضاته في كل حال، والتباعد من سخطه بكل طريق وهذا هو حقيقة العبودية التي لا تصلح إلا لله وحده.

فالقلب السليم: هو الذي سلم من أن يكون لغير اللَّه فيه شرك بوجه ما، بل قد خلصت عبوديته لله تعالى؛ إرادة ومحبة، وتوكلاً، وإنابة، وإخباتاً، وخشية، ورجاء، وخلص عمله لله، فإن أحب أحب في الله، وإن أبغض أبغض في اللَّه، وإن أعطى أعطى لله، وإن منع منع لله، ولا يكفيه هذا حتى يسلم من الانقياد والتحكيم لكل من عدا رسوله صلى اللَّه تعالى عليه وآله وسلم، فيعقد قلبه معه عقداً محكماً على الائتمام والاقتداء به وحده، دون كل أحد في الأقوال والأعمال، من أقوال القلب، وهي العقائد، وأقوال اللسان. وهي الخبر عما في القلب، وأعمال القلب، وهي الإرادة والمحبة والكراهة وتوابعها، وأعمال الجوارح، فيكون الحاكم عليه في ذلك كله دِقِّه وجِلِّه، هو ما جاء به الرسول صلى اللَّه تعالى عليه وآله وسلم ... ) (١) .

وقال ابن رجب رحمه اللَّه: (القلب السليم: هو السالم من الآفات والمكروهات كلِّها، وهو القلب الذي ليس فيه سوى محبة اللَّه وما يحبه اللَّه، وخشية اللَّه، وخشية ما يُباعد منه) (٢) .

وقال محمد بن سيرين رحمه اللَّه: (القلب السليم هو الذي يعلم أن اللَّه حق، وأن الساعة قائمة، وأن اللَّه يبعث من في القبور) (٣) .


(١) انظر: إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (١/٧-٨) .
(٢) جامع العلوم والحكم (١/٢١١) .
(٣) ... انظر: الجامع لأحكام القرآن (١٥/٩١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>