للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الجصاص: لمّا لم يتعلق النهىً بمعنىً في نفس العقد وإنما تعلق بمعنىً في غيره وهو الاشتغال عن الصلاة وجب أن لا يمنع وقوعه وصحته كالبيع في آخر وقت صلاة يخاف فوتها إن اشتغل به وهو منهي عنه، ولا يمنع ذلك صحته؛ لأن النهي تعلق باشتغاله عن الصلاة (١) .

وأجاب شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا الاستدلال بقوله: إن عنى بذلك أن نفس الفعل المنهي عنه ليس فيه معنىً يوجب النهي فهذا باطل فإن نفس البيع اشتمل على تعطيل الصلاة... وإن أرادوا بذلك أن ذلك المعنى لا يختص بالصلاة بل هو مشترك بين الصلاة وغيرها فهذا صحيح (٢) ثم قال في مكان آخر: والملك الحاصل بذلك كالملك الذي لم يحصل إلا بمعصية الله وغضبه ومخالفته كالذي لا يحصل إلا بغير ذلك من المعاصي مثل الكفر والسحر والكهانة والفاحشة، وقد قال النبي (" حلوان الكاهن خبيث ومهر البغي خبيث " (٣) فإذا كنت لا أملك السلعة إن لم أترك الصلاة المفروضة كان حصول الملك سبب ترك الصلاة كما إن حصول الحلوان والمهر بالكهانة والبغاء، وكما لو قيل له إن تركت الصلاة اليوم أعطيناك عشرة دراهم فإنّ ما يأخذه على ترك الصلاة خبيث، كذلك ما يملكه بالمعاوضة على ترك الصلاة خبيث، ولو استأجر أجيراً بشرط أن لا يصلي كان هذا الشرط باطلاً وكان ما يأخذه عن العمل الذي يعمله بمقدار الصلاة خبيث مع أنّ جنس العمل بالأجرة جائزة، كذلك جنس المعاوضة جائزة لكن بشرط أن لا يتعدى على فرائض الله (٤) .


(١) أحكام القرآن للجصاص ٥/٢٤٢.
(٢) الرسائل الكبرى ٢/٢٢٩.
(٣) صحيح مسلم ٣/١١٩٩ في المساقاة باب تحريم ثمن الكلب حديث رقم ١٥٦٨.
(٤) الرسائل الكبرى ٢/٢٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>