للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإشكال الذي كنت أقف أمامه حائراً متعجباً، أن ما نقلوه عن بعض الأئمة من أنه لا إنكار في مسائل المجتهدات، وأن الخلاف خير ورحمة، هو صحيح وثابت، ثم أجد ما يناقضه مسطوراً في كتبهم، فيفتون بجلد شارب النبيذ متأولاً أو مقلداً، ويزجرون من لا يتم ركوعه وسجوده، وينكرون على من يلعب الشطرنج وغيرها من مسائل الخلاف التي تتفاوت درجات الإنكار فيها بين الوعظ والتعزير. ولكن سرعان ما أعزو هذا العجب إلى قلَّة فهمي ومعرفتي بكلام الأئمة. ومضى على ذلك دهر، حتى وقفت على نصٍ لإمام من أئمة الحنابلة هو ابن مفلح (١) - رحمه الله - يعجب مما عجبت منه فقال:

((ولا إنكار فيما يسوغ فيه خلاف من الفروع على من اجتهد فيه، أو قلَّد مجتهداً فيه، كذا ذكره القاضي (٢) والأصحاب، وصرّحوا بأنه لا يجوز. ومثلّوه بشرب يسير النبيذ، والتزوج بغير ولي، ومثلّه بعضهم بأكل متروك التسمية، وهذا الكلام منهم مع قولهم يحدّ شارب النبيذ متأولاً ومقلداً أعجب، لأن الإنكار يكون وعظاً وأمراً ونهياً وتعزيراً وتأديباً، وغايته الحدُّ، فكيف يحدُّ ولا ينكر عليه؟ أم كيف يفسق على رواية، ولا ينكر على فاسق)) (٣) .


(١) هو محمد بن مفلح بن محمد المقدسي الحنبلي، شمس الدين، أبو عبد الله، صاحب ((الفروع)) و ((أصول الفقه)) توفي سنة ٧٦٣ هـ.
انظر ترجمته في: شذرات الذهب ٨ / ٣٤٠، الأعلام ٧ / ١٠٧.
(٢) هو القاضي محمد بن الحسين بن محمد الحنبلي، أبو يعلى الفرّاء، صاحب ((العدّة)) و ((الاحكام السلطانية)) توفي سنة ٤٥٨ هـ.
انظر ترجمته في: شذرات الذهب ٥ / ٢٥٢، الأعلام ٦ / ٩٩.
(٣) انظر: الآداب الشرعية ١ / ١٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>