للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه ما هو مشتبه فيه، كأكل ما اختلف في تحريمه وحلِّه، كالخيل والبغال، والحمير، والضبِّ، وشرب الانبذة التي يسكر كثيرها، وغيرها.

وهذا القسم هو الذي عناه النبي ش بقوله: ((الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهاتٌ، لا يعلمها كثير من الناس)) (١) ، فسّره على هذا المعنى الإمام أحمد وإسحاق (٢) وغيرهما من الأئمة (٣) والعلماء هم الوارثون لعلم النبوة، وأنواع الشبه تختلف بقوة قربها من الحرام، وبعدها عنه، لذلك يقع الخلاف في تحليله وتحريمه لأسباب كثيرة، عني الفقهاء على استقصاءها وذكرها مطوّلة، لكن أعجبني ما لخَّصه ابن رجب رحمه الله فقال: ((ومنه - أي الحلال والحرام - ما لم يشتهر بين حملة الشريعة فاختلفوا في تحليله وتحريمه وذلك لأسباب:

منها: أنه قد يكون النص عليه خفياً، لم ينقله إلا قليل من الناس فلم يبلغ جميع حملة العلم.

ومنها: أنه قد ينقل فيه نصان، أحدهما بالتحليل، والآخر بالتحريم، فيبلغ طائفة أحد النصين دون الآخر، فيتمسكون بما بلغهم، أو يبلغ النصان معاً من لا يبلغه التاريخ فيقف لعدم معرفته بالناسخ.

ومنها: ما ليس فيه نص صريح، وإنما يؤخذ من عموم أو مفهوم أو قياس، فتختلف أفهام العلماء في هذا كثيراً.

ومنها: ما يكون فيه أمر أو نهي، فيختلف العلماء في حمل الأمر على الوجوب أو الندب، وفي حمل النهي على التحريم أو التنزيه.

وأسباب الخلاف أكثر مما ذكرنا)) (٤) .

المبحث الثاني: الاختلاف هل هو رحمة؟


(١) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، رقم (٥٢) عن النعمان ابن بشير.
(٢) هو إسحاق بن إبراهيم التميمي المروزي، أبو يعقوب بن راهويه، عالم خراسان في وقته، له كتاب ((المسند)) توفي سنة ٢٣٨ هـ.
انظر ترجمته في: شذرات الذهب ٣ / ١٧٢، الأعلام ١ / ٢٩٢.
(٣) انظر: جامع العلوم والحكم ص ٨٤.
(٤) انظر: جامع العلوم والحكم ص ٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>