للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- رحمه الله - حين جعل الخلاف جارٍ فيهما على حدٍّ سواء (١) ، فمسألة مخالفة العامي المقلَّد، أو المفتي المقلِّد لمذهب إمام في بعض المسائل، الخطب فيها يسير، والخلاف هيِّن، وأقوال العلماء فيه بين: مجيزٍ مطلقاً، ومانعٍ، ومفصِّل (٢) . أما مسألة تتبع الرخص فهي أعم من سابقتها، فصاحبها يكتفي من فتياه بموافقة قول إمام - ولو كان نادراً - من غير نظرٍ في ترجيحٍ أو دليل، ويجعل كل خلاف دليلاً على الحلِّ أو التحريم. وهذا الفرق أشار إليه أبو العباس ابن تيمية في ((المسوّدة)) فقال: ((قلت: التخيير في الفتوى والترجيح بالشهوة، ليس بمنزلة تخيِّر العامي في تقليد أحد المفتين، ولا من قبيل اختلاف المفتين على المستفتي، بل كل ذلك راجع إلى شخص واحد، وهو صاحب المذهب، فهو كاختلاف الروايتين عن النبي (، راجع إلى شخص واحد، وهو الإمام، فكذلك اختلاف الأئمة راجع إلى شريعة رسول الله ش، حتى إن من يقول: ((إن تعارض الأدلة يوجب التخيير)) لا يقول: إنه يختار لكل مستفت ما أحب، بل غايته أنه يختار قولاً يعمل به ويفتي به دائماً)) (٣) .

فإذا بان لك هذا الفرق فمذاهب العلماء في هذه المسألة لا تعدوا ثلاثة هي:

الأول: منع الترخّص مطلقاً، وهذا القول مبني على القول بوجوب الاقتصار على مذهب واحد، لأن قول كل إمام مستقل بآحاد الوقائع، فإذا لم يجز مخالفة الإمام في بعض المسائل، فمن باب أولى ألاّ يجوز على وجه الإطلاق وهذا المذهب جزم به الجيلي (٤) في ((الإعجاز)) .


(١) انظر: البحر المحيط ٦ / ٣٢٤.
(٢) انظر: البحر المحيط ٦ / ٣٢٠ - ٣٢١، المسوّدة ص ٤٧٨، تيسير التحرير ٤ / ٢٥٣.
(٣) المسوّدة ص ٤٧٩، وأشار الشيخ عبد الله درار إلى هذا الفرق في تعليقه على الموافقات ٤ / ١٤٤.
(٤) لعله شافع بن عبد الرشيد الجيلي الشافعي، أبو عبد الله، من كبار أئمة الشافعية توفي سنة ٥٤١ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>