للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل قبول مالك التوسط بين أبي جعفر واعدائه السياسيين رشحه في نظر أبي جعفر لمنصب سياسي مهم ليس أحد في نظر أبي جعفر أقدر عليه وأصلح إليه من مالك، وهو منصب عام جوهره الرقابة العامة والمحاسبة النافذة في ناحية الحجاز كلها.

وفي عام ٨٤١هـ حج أبو جعفر، وكان قد أوعز بأن يكلف مالك بالحج والمثول بين يديه بمنى. وقد روي عن مالك من أمر هذه المقابلة مايأتي: فلما دنوت منه رحب بي وقرب، ثم قال: ههنا إلي. فأوفيت للجلوس. فقال: ههنا. فلم يزل يدنيني حتى جلست إليه وألصقت ركبتي بركبتيه، ثم كان أول ما تكلم به أن قال: والله الذي لا إله إلا هو ما أمرت بالذي كان، ولا علمته، وإنه لا يزال أهل الحرمين بخير ما كنت بين أظهرهم، وإني إخالك أمانا لهم من عذاب الله، وقد رفع الله بك عنهم سطوة عظيمة، فإنهم أسرع الناس للفتن، وقد أمرت بعدو الله أن يؤتى به من المدينة إلى العراق وأمرت بضيق حبسه والاستبلاغ في امتهانه، ولا بد أن أنزل به من العقوبة أضعاف ما نالك منه (٤١) .

ويمكن القول: إن تلك المقابلة صنعت م دخلا لأبي جعفر إلى نفس مالك، فقد تضمنت الاعتذار من الخليفة لمالك للإهانة التي ألحقها به جعفر بن سليمان عند تسلمه ولاية المدينة سنة ٦٤١هـ وتضمنت الاعتراف بفضل مالك وعظيم قدره والثناء عليه لسيرته السياسية بعد محنته.

كذلك، أشار أبو جعفر إلى أنه عالم بمنهج مالك وعدم ميله الى النشاط السياسي المعادي، وحرصه على النشاط الإصلاحي وتجنبه كل ما من شأنه أن يهيج الأمة أو يوقض الفتنة، ولم يخف أبو جعفر رضاه عن مالك، واعترافه بأن منهج الإصلاح بالمناصحة وهجر الخروج له كبير الأثر في إقرار الأمن، وكان ابو جعفر يسعى لاقرار الأمن، لاسيما في المدينة التي كانت تمثل مركز خطر سياسي على السلطة العباسية، وكان ولاء عامة أهلها للخارجين وليس للسلطة الحاكمة، وكانوا قد تجرأوا على الاستنكاف عن الطاعة للعباسيين، حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>