للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا، وليس أدل على سعة صلاحيات مالك التي أكسبتة إياها مشاركته السياسية من الهيبة العظيمة منه التي وقعت في قلوب الولاة والقضاة، فمما وصل إلينا من أنباء ذلك ما ذكر الشافعي أنه حمل كتابا من والي مكة إلى والي المدينة يطلب منه إيصال الشافعي إلى مالك، قال الشافعي فأبلغت الكتاب إلى الوالي، فلم اقرأه قال: يا فتى: إن المشي من جوف المدينة إلى جوف مكة حافيا راجلا أهون على من المشي إلى باب مالك بن أنس، فلست أرى الذل ة حتى أقف على بابه (٤٣) .

وكذلك، سأله القاضي جرير بن عبد الحميد عن حديث وهو قائم فأمر بحبسه، فقيل: إنه قاض. فقال: أحق أن يؤدب، احبسوه; فحبس إلى الغد (٤٤) .

ولم تقتصر مشاركة مالك السياسية على تسلمه منصب الرقابة المحاسبية على الرعية ورجال الحكم والقضاة في الحجاز، فقد تسلم أيضا منصب الإفتاء في المدينة، وأمر أبو جعفر أن ينادى:"ألا لايفتي الناس في المدينة إلا مالك بن أنس وابن أبي ذئب (٤٥) ، فانجمع لمالك منصبان سياسي ان هام ان يعد صاحبهما من علية رجال الدولة ومن المتقدمين من أفرادها جهاز الحكم والإدارة فيها، وحظي باحترام عظيم من قبل أبي جعفر، فكان إذا دخل عليه لايكاد يراه حتى يناديه: "إلى ههنا يا أبا عبد الله، أنت حقيق بكل خير وإكرام (٤٦) .

... وكذلك، أراد أبو جعفر توحيد الأمة على مذهب واحد في القضاء الاجتهادي، ووقع اختياره على مالك لتكون آراؤه مذهب الدولة، فعزم على تأسيس سلطة تشريعية اجتهادية، وعزم على حصر تلك السلطة في شخص مالك، وأناط به صلاحيات أشبه ما تكون بصلاحيات تقنين الأحكام التشريعية في الجانب التشريعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>